بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 أكتوبر 2009

أساليب الدعم التربوي في التعليم العتيق وأفاق تطويرها لضمان جودة التكوين

مدرسة أيت وافقا العتيقة بعد إعادة بنائها ( مصدر الصورة)

هذا نص عرض شاركت به قبل ثلاث سنوات في ندوة نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمقرها بالمشور السعيد بالرباط حول التعليم العتيق، ونشرت ضمن أعمال الندوة وأعيد نشرها لتعميم الفائدة:

يعد التعليم العتيق نظاما تعليما أصيلا نشأ في حضن الحضارة العربية الإسلامية وازدهر في عصورها الماضية، وقد تطور هذا النظام التعليمي في ظل هذه الحضارة ونما ليفي بحاجات مجتمعاتها، وكان أساسه المتين ما أوثر عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يعلم الصحابة رضوان الله عليهم أمور العقيدة وشؤون الدين، ثم تطور هذا المنهج بتطور مجتمع المسلمين وتطور حاجاتهم وازدهار المعارف والعلوم في عهدهم، وإن كان دائما محافظا على المواءمة بين التربية والتكوين وقرن العلم بالعمل، وربط المعرفة بالتطبيق.

ومن المعلوم أن هذا النمط من التعليم الأصيل قد شهد تغيرا بتغير مسار الحضارة الإسلامية، من البدايات الأولى إلى الازدهار والتطور وانتهاء بالانكماش والركود، وهكذا مثلا انتقل هذا التعليم من دراسة الأصول العلمية إلى الاقتصار على المختصرات وشروحها، ومن المعرفة المنفتحة المتطورة المبنية على الاجتهاد إلى المعلومات الثابتة في المنظومات العلمية، غير أن ذلك لم يحل دون إسهام هذا التعليم في كل المراحل التاريخية في تنشئة الفرد وخدمة المجتمع والحفاظ على كيان الأمة وتثبيت قيمها ومثلها.

الجمعة، 11 سبتمبر 2009

محمد الخامس وإصلاح التعليم العتيق بالمغرب، أو كيف ينبغي أن يتم إصلاح التعليم العتيق؟

نشرت لي مجلة دعوة الحق في عددها الأخير (شعبان 1430 موافق غشت 2009) مشكورة مقالة كنت حررتها منذ مدة حول المشروع الإصلاحي للتعليم عموما، والتعليم العتيق على وجه التحديد، في عهد الحماية ذلكم المشروع الذي نهض به الملك محمد الخامس رحمه الله، وطبقه في مؤسسات التعليم العتيق بالمغرب مثل جامع القرويين في فاس وابن يوسف في مراكش، ثم في المدارس العلمية العتيقة في سوس والذي توج بتأسيس معهد محمد الخامس بعيد الاستقلال، ويوضح هذا المقال الأسس التي استند عليها هذا الإصلاح وأسباب نجاحه... مما يفسح المجال أمام المكلفين بالتعليم العتيق بالمغرب لتأمل هذه التجربة والاستفادة منها في إصلاح التعليم العتيق دون الإخلال بأسسه الفكرية وامتداداته الاجتماعية.

الاثنين، 7 سبتمبر 2009

حركة الإصلاح المالكي بالمغرب في القرن الخامس الهجري ودور وكاك بن زلو اللمطي خلالها.

-->
ّيتناول هذا المقال بالدراسة والتحليل إسهام العلامة وكاك بن زلو اللمطي في حركة الإصلاح التي قام بها علماء وفقهاء المغرب في القرن الرابع والخامس للهجرة، وكانت نتيجتها قيام دولة المرابطين والقضاء على التفكك والتشرذم المنتشر بالمغرب آنذاك، كما تم التعريف في المقال بالعلامة وكاك وأعماله في مجال التعليم والإصلاح، نشر هذا المقال بمجلة التاريخ العربي العدد 49 الصادر مؤخرا (صيف 2009) وأصله عرض شاركت به في اليوم الدراسي الذي نظمته جمعية علماء سوس بقرية أكلو يوم 9 ماي 2009 في موضوع:"المدرسة العلمية العتيقة سيدي وكاك ورسالتها العلمية والاجتماعية" بمناسبة الذكرى الألفية لمدرسة وكاك بن زلو اللمطي ( 430هـ-1430هـ)..
مقدمة:
صدرت بحوث كثيرة ودراسات متعددة عن المذهب المالكي بالمغرب وأصوله وأسباب نشأته، وتعرضت الدراسات الكثيرة لأدوار المذهب المالكي ورجالاته في تاريخ المغرب منذ القديم وحتى العصر الحديث، وأهمية ما قام به علماء المالكية في الغرب الإسلامي من جهود لترسيخ السنة النبوية الشريفة ممثلة في مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، ومن التصدي للنحل الضالة والمذاهب المنحرفة، وما نتج عن جهادهم من توحيد المغرب عقيدة وفقها، وقد شملت هذه الحركة مراكز علمية ومدارس منوعة وأعلاما عظاما أسهم كل واحد بنصيبه في إقامة هذا البناء العقدي العلمي الاجتماعي الذي ورثناه عن أسلافنا رحمهم الله، ومن هؤلاء العلماء الذين كان لهم فضل عظيم على بلاد المغرب الشيخ العلامة المجاهد وگاگ بن زلو اللمطي الذي أسهم في نشر العلم والمعرفة وخدمة المجتمع وتوجيهه نحو الأفضل، وذلك من خلال المعطيات الضئيلة المتوفرة حول حياته وأعماله العلمية.

مسجد القيروان
1- حركة الإصلاح المالكي في الغرب الإسلامي:
شهد الغرب الإسلامي في القرون الإسلامية الأولى حركة دائبة للتمكين للدين الإسلامي في المجتمع والفكر والثقافة، وربط المسلمين بالعقيدة السمحة واجتثات جذور الوثنية والانحراف العقدي من نفوسهم الفطرية، وقد عمل الفقهاء والعلماء لأجل هذا الهدف اعتماد على منهجين:
‌أ- منهج نشر السنة النبوية ممثلة في الفقه المالكي المعبر عن ارتباط المسلمين بدينهم ووحي ربهم وسنة نبيهم من خلال التزام الأوامر ومفارقة النواهي والبحث عن حلول المستجدات والنوازل في اجتهادات الفقهاء السالفين وما بني عليها من فتاوى المتأخرين ملتزمين بأصول الاستنباط والاقتداء بالأئمة الأعلام للمذهب المالكي من الذين وضحوا أصوله وطبقوا مبادئه في استنباط الأحكام الشرعية الموافقة لأحوال المسلمين المجيبة عن تطلعاتهم الاجتماعية والفكرية، والرد على المذاهب الفقهية المنافسة التي تقدم الرأي على النص كما ردوا على القدرية والمعتزلة، [1] وقد تزعم هذه الحركة العلمية المباركة أئمة كبار وأعلام عظام برزوا في مدرستين عظيمتي التأثير هما:
- مدرسة القيروان وضع أسسها الإمام عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي المشهور بسحنون (160-240ﻫ) [2] مؤلف المدونة الكبرى التي أخذها عنه طلبة كثيرون تخرجوا به وصنفوا حولها شروحا وتعاليق، مثل ولده محمد بن سحنون(ت255ﻫ) [3] ويحيى بن عمر (ت 289ﻫ) [4] وعنهم أخذ علماء آخرون من أبرزهم ابن أبي زيد القيرواني مؤلف الرسالة.
- مدرسة الأندلس أسسها الإمام يحيى بن يحيى الليثي المصمودي (152 ـ 234 ﻫ) [5] وانتشر تأثيرها بفضل جهاده في التعليم والتربية فصدر عنه طلبة كثيرون نشروا علمه وفقهه، من أبرزهم محمد بن وضاح، وزياد بن محمد المعروف بشبطون، وإبراهيم بن قاسم بن هلال..وغيرهم كثير.
وقد انتشر بفضل هذين العالمين الكبيرين للسنة النبوية صيت عظيم كما رفعا لواء المذهب المالكي وعملا به ومكنّا له في تعليمهما وما كان لهما من الحظوة والجاه في مجتمعيهما، وجعلا كل ذلك في خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
‌ب- منهج مقاومة المذاهب المنحرفة التي كان الغرب الإسلامي حافلا بها كالخوارج والروافض والبرغواطيين خاصة في المغرب بسبب ضعف السلطة المركزية وبروز الإمارات المستقلة المتناحرة، وقد توسل الفقهاء بكل وسيلة من المقاطعة والمقاومة السلبية والمناظرة العلمية والسجال الفكري والمناجزة العسكرية، [6] واستطاعوا أن ينصروا السنة في صراعها مع البدع والضلالات، فضيق الأمويون بالأندلس على العبيديين خوفا من أن يمتد نفوذهم إلى الجزيرة إلى أن ضعف أمرهم واندحروا بافريقية، ثم قضى المرابطون على النحل المتعددة بالمغرب وجمعوا كلمته على السنة، [7] وذلك بفضل المالكية التي كانت " العقل الذي عصم أهل المغرب من شرور الفتنة في عصر كادت ريح الشر تعصف بالمجتمع، صمدت المالكية للخارجية فأتت عليها، وصارعت المعتزلة، وانتصرت على العبيديين، وحفظت على المجتمع وحدته وقوته، وسلمته للأجيال التالية سليما معافى، ومصداق ذلك ما رواه الرحالة ابن جبير حين قال: إنه لا إسلام إلا ببلاد المغرب لأنهم على جادة واضحة وما سوى ذلك بهذه الجهات الشرقية فأهواء وبدع وفرق أو شيع إلا من عصم الله عز وجل من أهلها" [8]
2- دور التعليم في نشر مبادىء الإصلاح
لاشك أن التعليم وسيلة ترسيخ الأفكار ودحض الشبهات وتقويم المجتمع وإزالة الانحرافات منه، و لتحقيق ذلك اعتمد فقهاء المالكية في الغرب الإسلامي على التعليم بأنواعه، فهناك:
- التعليم العام أو الشعبي والمقصود منه الاتصال بعامة الناس وتعليمهم شؤون الدين وأسس العقيدة والمعاملات، حتى يكونوا على السبيل القويمة، ويتجنبوا الانحراف والضياع، وقد آثى هذا النوع من التعليم أكله فمكّن العلماء من حماية عموم الناس من الانحرافات العقدية وصيانتهم من الانسياق مع مبادئها الضالة، ولم يكن ذلك بسبب مجالس الوعظ والتذكير فحسب، وإنما لأن فقهاء المالكية في ذلك العصر المبكر مثلوا النموذج المتألق للمسلم الصحيح الإيمان الزاهد الورع، الساعي لخير جماعته المضحي في سبيل مبادئه، وقد ورث فقهاء المالكية ذلك كله من الإمام مالك رضي الله عنه الذي كان لهم أسوة في الخلق القويم والورع والزهد والصدع بالحق، فكان لهؤلاء الفقهاء مواقف حازمة من الانحراف والضلال، تسنموا بفضلها مكانة مرموقة في نفوس الناس وصاروا عندهم في " مرتبة الزعماء الذين يدافعون عن الضعفاء والمغلوبين، ويعارضون الحكام في سبيل إعلاء الحق، ويستشهدون في سبيل عقيدتهم، فآمنوا بزعامتهم." [9]
- التعليم المتخصص الموجه للناشئة من الشباب اليافع في المساجد والراطات، والذي يهدف إلى توفير المعرفة والتكوين العلمي للأجيال الجديدة، حتى تستطيع – على اختلاف مؤهلاتها – الوفاء بحاجات المجتمع العلمية والمعرفية وضمان استمرار العلم الشرعي المرتبط بالسنة النبوية الشريفة، وتصديه للنوازل والمشاكل، وهكذا تسلسل العلم وبرز العلماء يأخذ كل جيل منهم عن السابق لينقل المعرفة إلى اللاحق، فكان التعليم الشغل الشاغل لعلماء الغرب الاسلامي الكبار وما من أحد منهم إلا وأنفق حياته في تكوين الأجيال الجديدة وتثقيفها.
لقد صار التعليم والتكوين من أعظم المهام التي اشتغل بها علماء الغرب الإسلامي، لأنهم كانوا يؤمنون بأهمية التعليم وكونه من مراتب العبادة السامية وكانوا واعين بأهميته وضرورته للحفاظ على أمن المجتمع وعقيدته وتضامنه، ولعل مما يدل على هذه العناية الفائقة بروز التأليف حول أساليب التربية والتكوين ومناهجهما، فنجد في إفريقية محمد بن سحنون (256هـ) و علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي (324 - 403هـ) [10] يهتمان بالموضوع ويبسطان فيه القول تنظيرا وتطبيقا واستيحاء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، مما يشير إلى سعي دائب للنجاح في التعليم وبلوغ الهدف في تكوين المسلم الصالح المصلح.
وتحفل كتب التراجم بأخبار العلماء العاملين الذين كونوا الأجيال وخرجوا العلماء وقادوا الفكر والمجتمع في تلك المرحلة نذكر منهم:
· جبلة بن حمود الصدفي ( ت299 هـ) الذي قام في وجه العبيديين وتصدى لأعوانهم ومن ناصرهم، بالعداء والمقاطعة وسار خلفه الناس متبعين ما يشير به. [11]
· سعيد بن محمد الغساني المشهور بابن الحداد (ت 302 هـ) العالم الزاهد الذي نافح عن العقيدة والدين بمناظراته ورده شبهات المنحرفين وإفحامهم، فكان ذلك سبب تثبيت الناس على عقيدتهم وصبرهم على الأذى والضرر. [12]
· عبد الملك بن حبيب السلمي الإلبيري (ت 238 هـ)فقيه الأندلس وعالمها، درس عليه الجم الغفير من الطلبة وتخرجوا به. [13]
· محمد بن وضاح بن بزيع المرواني(ت 287 هـ) العالم المحدث المحتسب في نشر العلم، أخذ عنه جمّ غفير من علماء الأندلس وقضاته وفقهائه. [14]
هؤلاء العلماء نماذج لمن أفنوا أعمارهم في التدريس وأخلصوا فيه جهودهم لله فآتت أكلها فأصدروا علماء وفقهاء جمعوا بين الفقه والصلاح والتربية والمعرفة، وكانوا سببا في تسلسل العلم في الأجيال اللاحقة مرفوقا بالعمل والإصلاح والإحسان فيهما معا، فبرز علماء آخرون في القرنين الرابع والخامس لا يقلون مكانة عمن سبقهم، بل أضافوا إلى سلفهم الماجد جدا وجهادا في التعليم العلمي والإصلاح الاجتماعي المؤسس على رؤية عقدية فقهية حصيفة، نذكر منهم عبد الرحمان بن عبد الله القيرواني وخلف بن عمر الحناط وعلي بن محمد المعافري القابسي و محمد بن سعدون الباجي وقاسم بن أصبغ البياني ومحمد بن عمر بن لبابة، وغيرهم من العلماء الذين اشتغلوا بالتدريس عقودا طويلة، وعنهم أخذ علماء الغرب الإسلامي وتأثر بهم فقهاء المغرب وتأثروا خطاهم في إصلاح المجتمع وتوحيد الأمة ونفي الانحراف في العقيدة والشذوذ في المذاهب الفقهية. [15]
اعتمد فقهاء المالكية التعليم والتكوين في حركتهم الإصلاحية سواء لنشر مذهبهم وترسيخ أسسه في المجتمع أو لمحاربة الفرق الضالة مثل الروافض والخوارج وغيرهم، وحينما نأخذ مثال ابن أبي زيد القيرواني وعمله في مجال التعليم بالقيروان، نجده قد خرج مئات من الطلبة نبغ منهم عشرات الفطاحل الكبار الذين انتشروا في بقاع الغرب الإسلامي لترسيخ الإسلام وعقيدته السمحة، [16] فعن ابن أبي زيد اخذ أبو عمران الفاسي [17] شيخ وگاگ بن زلو اللمطي الذي نقل معارفه إلى طلبته وتلاميذه فوصلت بهم حركة الإصلاح منتهاها بقيام دولة المرابطين على يد عبد الله بن ياسين التمنارتي.
3- وگاگ بن زلو وحركة الإصلاح المالكي:
نشأت التقاليد العلمية الفقهية المالكية بالشرق وانتقلت إلى إفريقية والأندلس حيث تأسست مدرستان عريقتان للفقه المالكي، نبع منهما فقهاء الغرب الإسلامي العظام ونهلوا أسس الإصلاح الاجتماعي المؤسس على العقيدة الصحيحة والاجتهاد الفقهي في ربط المجتمع بالشرع ورد الناس إلى سبيل الحق والوقوف في وجه الظلم والجور، وقد تأثر المغاربة بهاتين المدرستين في تلك المرحلة الصعبة من تاريخهم المتميزة بعدة سمات، نذكر منها:
- الاضطراب السياسي بسبب الفوضى والانقسام وانعدام سلطة مركزية قوية تحكم البلاد وتصلح أحوالها، فصار مجالا للصراع بين المذاهب المختلفة وساحة للنزال بين القوة العبيدية في إفريقية والقوة الأموية في الأندلس.
- الفوضى العقدية، فقد تسربت إلى المغرب المذاهب المشرقية المنحرفة وبرز الخوارج والروافض كما نشأت نحل ضالة من أمثال البورغواطيين، وكان لكل مذهب سند شعبي وسياسي يقيم أوده ويناصره.
ولما رأى علماء المغرب ما كانت عليه بلادهم طمحوا إلى إصلاح أوضاعها خاصة بعد انتصار المالكية في إفريقية على العبيديين، واستمرار منهج أهل السنة والجماعة في الأندلس، فعملوا على تنسيق جهودهم والاعتماد على التعليم والتربية لتغيير المجتمع عبر تذكير عامة الناس ووعظهم وتكوين أجيال جديدة من العلماء المستنيرين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، ومن هؤلاء العلماء القائمين بهذه الأمانة في هذه المرحلة وگاگ بن زلو اللمطي.
أ- من هو وگاگ بن زلو اللمطي:
ينتسب إلى قبيلة لمطة التي كانت مستقرة على وادي نول لمطة في منطقة أيت باعمران الحالية، [18] قال عنها صاحب الاستبصار:
" ومن بلاد السوس مدينة نول لمطة، وهي مدينة كبيرة في أول الصحراء على نهر كبير يصب في البحر المحيط، ومن مدينة نول إلى وادي درعة نحو 3 مراحل. وإنما سميت نول لمطة لأن قبيلة لمطة يسكنونها وما وراءها وهي آخر بلاد السوس. " [19]
ينتمي الشيخ وگاگ إلى الشرفاء الأدارسة حسب ما يدل على ذلك مشجر أنساب أسرته الوارد في المعسول، [20] واسمه محمد [21] غير أنه اشتهر بلقبه ( وگاگ) المكون من واو النسبة وكلمة (أگاگ) ومعناه الفقيه العليم بالقرآن والفقه – حسب ما ورد في معجم شارل دوفوكو [22] – فيكون معنى لقبه ابن العالم أو ابن الفقيه، [23] ولا نعرف على وجه التحديد تاريخ ميلاده ولكننا نرجح أن يكون قد ولد فيما بين سنتي 350 و360 للهجرة، وكان والده طبقا لتفسير لقبه عالما فقيها، فيكون ناشئا في أسرة علمية مما ساعده على التفرغ للدراسة والتعلم، فحفظ القرآن الكريم ودرس مباديء العلوم ثم بدأ رحلته العلمية، والغالب أنه درس بمراكز العلم في منطقته، ثم انتقل إلى الحواضر المغربية، فهل يكون درس بفاس وتعرف هناك على أبي عمران الفاسي قبل أن ينفيه منها بنو أبي العافية المكناسيون لمّا قام فيهم آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر؟ [24]
رحل وگاگ إلى القيروان وهناك لقي عبد الله بن أبي زيد القيراوني المتوفى سنة 386هـ ودرس عليه كما أشار إلى ذلك صالح بن أبي صالح في كتاب القبلة، [25] ثم لازم تلميذه أبا عمران الفاسي حتى تخرج عليه، ولا يبعد أن يكون درس على علماء آخرين بالقيروان ممن كانوا يملأونها علما وفضلا، وبعد أن اكتفى من الأخذ عاد أدراجه إلى المغرب للمشاركة في التربية والتعليم بمعية طائفة من زملائه في الدراسة، وقد توفي مخلفا ثلاثة من الأبناء الذكور هم:ياسين ويحيى وأبو علي، [26] كما تخرج على يديه جمّ غفير من الطلبة.
ب- شهادة أبي عمران الفاسي في تلميذه وگاگ:
لاشك أن إسهام الشيخ وگاگ في إقامة دولة المرابطين بفضل إرسال تلميذه عبد الله بن ياسين إلى الصحراء أسهم في إبراز شخصيته والتعريف بها فكم من العلماء الدين تخرجوا قبله وبعده على شيوخ القيروان والأندلس، قد طواهم النسيان ولم نعد نعرف عنهم شيئا أولا تذكر المصادر أسماءهم، وبسبب ارتباط الشيخ وگاگ بدولة المرابطين وصلتنا شهادة أستاذه الفاسي فيه حينما أشار على الأمير الكدالي بأن يقصده في رباطه بواد نفيس ليستشيره في أمر إرسال أحد الفقهاء معه إلى الصحراء، ونص الشهادة كما نقلتها المصادر التاريخية:
"إنني أعرف ببلاد نفيس من أرض المصامدة فقيها حاذقا تقيا ورعا لقيني وأخذ عني علما كثيرا، وعرفت ذلك منه، واسمه وگاگ بن زلو اللمطي من أهل السوس الأقصى وهو الآن يتعبد ويدرس العلم ويدعو الناس إلى الخير في رباط هنالك، وله تلامذة جمة يقرؤون عليه العلم" [27]
وهذه الشهادة تبرز مكانة وگاگ عند شيخه ومقدار تحصيله العلمي، وسماته الخُلقية، فقد وصفه شيخه الفاسي بـ:
· العلم الكثير:والمقصود به العلوم التي أخذها وگاگ عن شيخه الفاسي، والتي درسها هو كذلك عن شيوخه بالقيروان وبغداد، مثل الفقه والحديث والأصول واللغة العربية، ولا ريب أن الشيخ وگاگ قد حصّل منها ما جعله يوصف بالعلم الكثير.
· الحذق:وهو المهارة وحسن الفهم والتصرف، فالشيخ وگاگ لم يأخذ العلم حفظا وفهما فحسب بل أخذه تطبيقا ومهارة في العمل به، فجمع إلى العلم العمل وإلى حسن فهم النوازل واستنباط الأحكام تنزيل المعرفة على الواقع ومخاطبة الناس على قدر عقولهم، وهي كلها صفات تدل على مهارته وفهمه.
· التقوى: وهو الخوف من الله تعالى ومراقبته في كل شيء، وهو أساس التعلم الذي تصح به النية ويستقيم العلم ويصلح العمل وتتثمر الجهود.
· الورع:وهو الاحتراز للدين وتوقي الشبهات ومعاملة الناس بالإحسان إليهم والصبر على أذاهم، وتنزيه النفس عن الأطماع وتجنب تسخير الدين لنيل الدنيا، ولا أدل على ذلك مما أورده صاحب التشوف على لسانه حينما قصده المصامدة يلتمسون دعاءه، قال:" فذهبوا إلى وجاج بن زلو اللمطي وهو بالسوس، فلما وصلوه، قال لهم ما جاء بكم؟ فقالوا له: قحطنا وجئناك لتدعوا الله لنا أن يسقينا، فقال لهم: إنما مثلكم كمثل قوم أبصروا جبح نحل فظنوا أن فيه عسلا، ولكن انزلوا عندي فإنكم أضياف."
· ملازمة العبادة: وهي سمة لازمت فقهاء ذلك العهد فكان الصلاح ملازما للعلم، والعبادة قرينة التدريس والتربية، ومن يطالع تراجم العلماء بالغرب الإسلامي آنذاك يجدهم مجدين في علمهم وعبادتهم ناصحين ورعين، ساعين إلى تطبيق ما تعلموا وتحقيق النموذج والقدوة الصالحة التي يتأسى بها مجتمعهم. [28 ]
· تدريس العلم: أي التعليم المتخصص الذي يستهدف نقل المعارف والعلوم اللغوية والشرعية النافعة، إلى الطلبة الشباب الناشئين مسددة بالتربية الخلقية الرامية إلى جعل العلم أساسا للعمل، وبناء الشخصية المسلمة السليمة من آفات النفس وأمراضها.
· دعوة الناس إلى الخير: وهو التعليم العام الذي يقصد حماية عامة الناس ممن لا يملكون المعرفة العلمية الرصينة، من النحل والضلالات والبدع بتعليمهم أسس العقيدة والعبادات وحثهم على التزام المعاملة الحسنة والخلق الحميد، بالوعظ والإرشاد في المساجد والمجاميع والأسواق والملتقيات..
· ملازمة الرباط: بوادي نفيس أولا ثم بأگلو ثانيا، والرباط أصلا مكان للجهاد ومراقبة العدو، يجتمع فيه المقاتلون استعداد لمجابهة العدو إن هاجمهم او نزل بأرضهم، وقد توسعت وظيفته فصار محانا يخلوا به العباد والزهاد ويجتمع فيه طلبة العلم ويقصده عامة الناس للاستفتاء والمشورة الفقهية ولطلب المساعدة الاجتماعية وللتظلم وطلب الحقوق، ويقوم فيه الشيخ العالم بدور الناصح والمعلم والمربي والساعي في الخير بين الناس. [29]
· كثرة الطلبة: حيث وصفهم أبو عمران الفاسي بالجم الغفير، مما يدل على نجاح الشيخ وگاگ في عمله التعليمي، وتوفقه في مساعيه لاستقطاب الطلبة وتكوينهم وتربيتهم، وكذلك مساندة مجتمعه له في مهامه التعليمية بتموين هؤلاء الطلبة والقيام بمعيشتهم، ولا ريب أن ذلك كله مؤسس على ما للشيخ وگاگ من سمعة طيبة وتقوى وورع مما جعله يحظى بالتقدير والاحترام. وكانت النتيجة أن تخرج به طلبة كثيرون انتشروا في بلاد المغرب وجنوبه على وجه الخصوص وعمروا مساجده بالعلم والتربية، ولا تسعفنا المصادر إلا في معرفة أسماء قلة قليلة منهم مثل أبنائه الثلاثة ياسين ويحيى وأبا علي ثم عبد الله بن ياسين التمنارتي وأبا القاسم بن عذري الفقيه،ولا شك أن كثيرا من الفقهاء الذين كان عبد الله بن ياسين يتصل بهم بجبال جزولة فيرسل إليهم أعشار قبائل لمتونة من زملائه في الدراسة بنفيس أو ممن أخذوا بأگلو.
إن هذه الصفات المجتمعة التي وصف بها الشيخ وگاگ تبرز قدره ومكانته العلمية وسماته النفسية والتربوية، كما تظهر مكانته بين الناس وأنه كان مقبولا مسموع الكلمة مجاب الدعوة، ولاشك أن قبائل المصامدة التي كانت تزوره وتستقي بدعائه قد خبرت ذلك منه عندما كان عندها بنفيس.

خريطة تبين المواقع التي استقر بها العلامة وكاك ( قبيلته لمطة، رباط نفيس ورباط أكلو)
مصدرها كتاب التشوف إلى رجال التصوف تحقيق: أحمد التوفيق.
ج - أعماله التعليمية:
عاد وگاگ بن زلو إلى المغرب بعد أن امتلأ علما وفضلا، ونوى العمل مع زملائه لإصلاح المجتمع المغربي بنشر السنة النبوية ومحاربة النحل الضالة، وقد مر عمله بمرحلتين الاستقرار بنفيس ثم الانتقال إلى أگلو دون أن نغفل إشارة ابن خلدون إلى أنه كان بسجلماسة: [30]
· الاستقرار بمنطقة نفيس – كما وردت الإشارة إلى ذلك في كلام أبي عمران الفاسي - للتربية والتعليم والإسهام في محاربة البورغواطيين، وقد اختلف المؤرخون في تحديد المقصود من (نفيس) هل هي قرية ملكوس التي ذكرها البكري [31] أو مدينة نفيس، [32] أو رباط على وادي نفيس في منطقة قليلة العمران. [33] كما اختلفوا في مكان نزوله أولا هل هو نفيس أم أگلو التي بها قبره الآن؟ قال محمد المختار السوسي معلقا على ذلك:
" ذكر هناك أن مسكنه في نفيس وقد أثار هذا مشكلا اليوم. لأن (نفيسا) هو واد مشرف على (مراكش) ومحل قبر وگاگ يوجد في (أگلو) بضواحي (تيزنيت) على سيف البحر. ويؤيد أن مسكنه كان بعيدا من وادي (نفيس) ما في هذه الحكاية من الرحلة إليه. [34] ثم طول الرجوع إلى سكنى الراحلين في (نفيس). " [35]
وإذا عرضنا الواقع الحالي لوجود قبر وگاگ بن زلو بأگلو قرب تزنيت وما ورد في المصادر التاريخية عن نزوله بنفيس أمكننا أن نقرر – بناء على ما ذكر من سفر المصامدة لزيارته والاستسقاء به – أن وگاك نزل أولا بنفيس قرب أغمات وريكة، ولبث بها مدة طويلة خالط أهلها فعرفوا فضله وعلمه وأخلاقه، ثم انتقل إلى أگلو لسبب دعاه إلى ذلك، ولم تنقطع صلة المصامدة به بل كانوا يزورونه.
ومما يؤيد هذا أن صاحب كتاب القبلة [36] يذكر اجتماع طلبة ابن أبي زيد القيرواني بمنطقة أغمات وريكة لقتال البورغواطيين، ذاكرا وجود وگاگ بن زلو بينهم، قال:
" ثم يلي ذلك المساجد التي بناها تلامذة أبي محمد ( يقصد القيرواني) لأنهم جعلهم الله سببا لإطفاء فتنة برغواطة الذين قاموا بالمغرب نحو ثلاثمائة سنة، لأن أول قيامهم في حدود خمسين ومائة من الهجرة إلى قريب من أربعمائة.. فلما وصل تلامذة أبي محمد أخذوا يقتلون كفار برغواطة وذلك لأنهم أشاروا إلى أبي محمد في ذلك فقال لهم إن كانت لكم بهم مقدرة فجاهدوهم وقدموا منكم أكثركم قبيلة، وقالوا: داود بن إيملول الصنهاجي، ثم يليه يحيى بن ويدفا الصادي من بلاد هسكورة، ثم يعلى بن مصلين الرجراجي، فكانت تلامذته من المصامدة الثلاثة المذكورين مع تونارت بن تيدي الرجراجي والولي بن يرزيگن المرماري وواجاج بن زلو اللمطي وعبد الله بن أبي تاليلت الژودي ويرزيگن بن علي الژودي ومحمد بن طاووس الهزميري الرجراجي وآخرين، من أهل أغمات وغيرهم ممن لم تعرف أسماؤهم، فقدموا داود بن يملول حتى قتل، ثم يحيى بن ويدفا حتى قتل، ثم ابنه حتى مات، فقدموا يعلى بن مژلين وهو الذي بنى مسجد شاكر.." [37]
وقد وهم الأستاذ أحمد توفيق في تحقيق كتاب التشوف للزيات حينما استنتج أن طلبة ابن أبي زيد القيرواني كانوا تحت إمرة الشيخ أبي محمد عبد الله بن تايسييت، [38] وذلك أن مؤلف كتاب القبلة ذكرهم بصفة طلبة أبي محمد فظن المحقق أن المقصود هو أبو محمد بن تيسييت بينما يشير صاحب كتاب القبلة إلى أن المقصود هو أبو محمد بن أبي زيد القيرواني صاحب كتاب النوادر، قال:
" وإلى تلك الجهة بنى تلاميذ أبي محمد مساجدهم لأنهم حملوا عن أبي محمد ما ذكر في النوادر ..ثم رجع عنه إلى ما ذكره في كتاب مجمع الأصول.." إلى أن قال:" وذكر أبو الطيب عبد المنعم أن ابن أبي زيد رجع عما ذكر في النوادر.." [39]
فالمقصود إذن أبو محمد القيرواني مؤلف النوادر ومجمع الأصول وصاحب الرسالة أما ابن تيسييت فيذكره صاحب كتاب القبلة ناقلا عنه تحديد تاريخ بناء بعض مساجد أغمات فحسب، دون إشارة إلى زعامته الجهاد، ورد في النص:
" أخبرنا أبو محمد عبد الله بن تيسييت وكاتبه قاضي أغمات وريكة أن مسجد أغمات وريكة بناها أميرها وطاس بن كردوس من بني أمية سنة خمس وأربعين ومائتين". [40]
لقد اجتمع طلبة أبي محمد القيرواني بمنطقة أغمات التي كانت مجالا لنفوذ البورغواطيين وقاموا بتنسيق الجهود العلمية التعليمية والعسكرية الجهادية فتوزعوا على رباطات المنطقة لنشر المذهب السني ممثلا في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، فكان من نصيب وگاگ الاستقرار برباط نفيس متفرغا للتدريس والتعليم، وهناك زاره يحيى بن إبراهيم الگدالي سنة 430 ﻫ [41] حاملا رسالة الشيخ أبي عمران الفاسي التي تأمره بأن يرسل مع الأمير اللمتوني فقيها يعلم أهل الصحراء العقيدة السليمة وملازمة السنة النبوية ويردهم إلى طريق الخير و الحق ردا جميلا، ونص كتاب أبي عمران:
" أما بعد إذا وصلك حامل كتابي هذا وهو يحيى بن إبراهيم الكدالي فابعث معه من طلبتك من تثق بعلمه ودينه وورعه وحسن سياسته ليقرئهم القرآن، ويعلمهم شرائع الإسلام ويفقههم في دين الله، ولك وله الأجر العظيم، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا" [42]
ومن هناك انطلق عبد الله بن ياسين التمنارتي [43] ليؤسس مشروع الإصلاح على أسس اجتماعية وسياسية قوية أنتجت دولة المرابطين.

موقع مدرسة وكاك بن زلو بقرية أكلو
· الانتقال إلى أكلو: انتقل الشيخ وگاگ - في تاريخ لا نعرفه بالضبط – إلى منطقة أگلو الواقعة غرب مدينة تزنيت الحالية على بعد نحو 13 كلم ، وهي منطقة ساحلية كانت بها عين ماء ثرارة، وبها مداشر، توجد بأحدها مدرسة وگاگ بن زلو. [44] ولا يبعد أن يكون الشيخ رحل إلى هناك بُعيد سفر تلميذه عبد الله بن ياسين إلى الصحراء سنة 430 هـ،وهناك استقر واشتغل بالتعليم والتربية والعبادة ونشر الخير حتى توفي سنة 445هـ، [45] أما أسباب هذا الانتقال فمجهولة، والراجح أن ذلك كان لعدة أسباب، هي:
* مواصلة محاربة المذاهب الضالة بسوس ممثلة في الشيعة البجلية بتارودانت والبورغواطيين بجبال جزولة ومنطقة ماسة، [46] وقد ذكر محمد المختار السوسي أن " البورغواطيين قد امتدوا حينا إلى تلك الجهة حتى قيل أنهم وصلوا ماسة." [47] كما ذكر صاحب بيوتات فاس أن عبد الله بن ياسين زحف على بلاد السوس لقتال أهلها من أهل الجبال التابعين لصالح بن طريف البورغواطي، قال " فانهزم أهل السوس المتمسكون بما التمسه لهم صالح بن طريف، وقسم (يعني المرابطين من أتباعه) فيهم عبد الله بن ياسين سبيهم وأموالهم." [48]
* متابعة أعمال عبد الله بن ياسين عن قرب فمنطقة أگلو أقرب إلى الصحراء من وادي نفيس، ومعلوم أنه كانت هناك مراسلات بين التمنارتي وشيخه اللمطي، فكان يستشيره ويرجع إليه في تدبير أموره بين اللمتونيين خاصة لما كثرت شكاواهم منه. بل إن البكري يورد رواية غريبة من أن اللمتونيين لمّا خالفوا عبد الله بن ياسين طردوه فرجع إلى شيخه وگاگ الذي كاتبهم يشنع عليهم فعلهم وأمره بالرجوع إليهم، قال:
"فعزلوه عن الرأي والمشورة، وقبضوا منه بيت مالهم ، وطردوه وهدموا داره وانتهبوا مان فيها من أثاث وخرثى، فخرج مستخفيا من قبائل صنهاجة إلى أن أتى وجاج بن زلوى فقيه ملكوس، فعاتبهم وجاج على ما كان منهم إلى عبد الله، وأعلمهم أن من خالف أمر عبد الله فقد فارق الجماعة، وأن دمه هدر، وأمر عبد الله بالرجوع إليهم، فرجع.." [49]
ومهما يكن فإن التواصل بين الشيخ وگاگ وتلميذه الجزولي كان دائما بالمراسلات وقد احتفظت المصادر التاريخية بواحدة منها تتضمن توضيح التمنارتي موقفه من شن الحروب على القبائل الخارجة عليه وتشدده في الحدود، بعد أ، أنكر عليه شيخه ذلك، ورد في الرسالة:
" أما إنكارك عليّ ما فعلت، وندامتك على إرسالي فإنك أرسلتني إلى أمة كانت جاهلية ..وليس دأبهم إلا إغارات بعضهم على بعض، وقتل بعضهم بعضا لا دية عندهم من الدماء ولا حرمة عندهم للحريم، ولا توقي بينهم في الأموال، فأخبرتهم بالمفروض عليهم والمسنون لهم والمحدود فيهم فمنهم من قبل واليته، ومن تولى أرديته، وما تجاوزت حكم الله ولا تعديته." [50]
ومن ناحية أخرى يذكر ابن خلدون في تاريخه أن وگاگ بن زلو هو الذي استدعى القبائل الصحراوية برئاسة تلميذه ابن ياسين للقدوم للجنوب المغربي وتغيير ما فيه من مناكر، قال:
" ثم كتب إليهم وگاگ اللمطى بما نال المسلمين من العسف والجور من بنى وانودين أمراء سجلماسة من مغراوة وحرضهم على تغيير أمرهم فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأربعمائة. " [51]
* عودة العلامة وگاگ إلى المناطق القريبة من مضارب قبيلته لمطة التي كانت مستقرة بأحواز وادي نون المعروف قديما بنول لمطة، وهي القبيلة التي استجابت لدعوة المرابطين ودخلت طاعتهم ومكنتهم من ثلث أموالها بلا نزاع ولا حرب، فهل كان لانتماء وگاگ إلى هذه القبيلة علاقة بذلك، خاصة أنه توفي قبل أن يصل تلميذه إلى المنطقة، قال البكري:
" ثم نهضوا إلى لمطة وسألوهم ثلث أموالهم ليطيب لهم بذلك الثلثان، وهكذا سن لهم عبد الله في الأموال المختلطة، فأجابوهو إلى ذلك ودخلوا معهم في دعوتهم." [52]
إن عمل العلامة وگاگ بن زلو التعليمي والعلمي في رباطيه بوادي نفيس ثم بمنطقة أگلو مكنته من تحقيق الهدف الأساس الذي أسست عليه حركة الإصلاح المذهبي في القيروان والأندلس، وهو القضاء على الانحرافات والنحل الضالة، وتمثل ذلك في أمرين أساسيين:
- معالجة الوضع القائم بالتصدي لهذه المذاهب والنحل من خلال حركة تعليمية اجتماعية ترمي إلى تربية العامة و تفقيههم ودعوتهم وتذكيرهم وتثبيتهم على دينهم ومنعهم من الانسياق مع دعوات الانحراف والاتقياد لدعاتها.
- إعداد الأجيال الصاعدة وتكوينها على تغيير الواقع المنحرف الذي يعيشه المغرب آنذاك، سواء بالعمل العلمي التعليمي الدائم او بالقوة العسكرية والدفاع المسلح.
وقد أثمرت جهود العلامة وگاگ بن زلو فخرج تلامذة مؤمنين بعقيدتهم ومذهبهم السني الصحيح مثل عبد الله بن ياسين الجزولي الذي حمل الدعوة إلى أعماق الصحراء، فأخرج القبائل الجاهلة المتناحرة مما كانت فيه من فتن مدلهمة، وحوّلها إلى موال للحركة الإصلاحية وعامل على دحر النحل والمذاهب الضالة، كما أسهم الطلبة الآخرون الذين انتشروا بالمغرب وجنوبه على وجه الخصوص في فسح المجال للمرابطين وقائدهم بتعاونهم معهم وحث الناس على التأسي بهم وعصيان الأمراء الظلمة ومحاربتهم، لذلك لم يكد تصل الجيوش المرابطية إلى جنوب المغرب حتى انضم إليها الناس لتغيير الواقع وهدم ما تبقى من بلاطات الجور والظلم والانحراف في سجلماسة وتارودانت وماسة، [53] وتمكن المرابطون من السيطرة على المنطقة دون مقاومة تذكر، وما ذلك إلا بفضل جهود طلبة الشيخ وگاگ الذين نشأوا على فكرة الإصلاح وظاهروا حركة المرابطين ونشروا فضلها بين الناس، قبل أن تصل إلى المنطقة. 
فكان للعلامة وگاگ الفضل في نقل التقاليد العلمية وترسيخها بالجنوب المغربي بل في غرب إفريقيا كله، فقد فتح هناك أول مدرسة علمية بدارالمرابطين باكلو، وتخرج على يديه جم غفير من الطلبة، أرسلهم شيخهم كما أرسل عبد الله بن ياسين إلى القبائل ومساجدها ورباطاتها، ليعلموا ويؤدبوا ينشروا الخير بين الناس، مثل أولاده خاصة ياسين المستقر بتاوودانت بأيت صواب، وابن أخيه الذي كان اقترح عليه الذهاب مع الكدالي إلى الصحراء قبل ابن ياسين، ... كون هؤلاء الفقهاء أساس الإصلاح الفكري والعقدي السني بمنطقة سوس، ومكّنوا لمذهب الامام مالك المتميز بالشدة في الحق والصلابة في الدفاع عنه، حيث أعدوا البيئة المناسبة، وكانت تعوزهم القوة والقدرة لتغيير ما تشهده مناطقهم من تفكك وتشرذم فدعوا اللمتونيين إلى الجهاد بجنوب المغرب لتنظيفه مما فيه من ملل ونحل منحرفة وما فيه من مناكر وضلالات، وقد أدى زحف عبد الله بن ياسين بمعية أتباعه المرابطين إلى إنهاء تلك المظاهر وتوحيد المنطقة ثم المغرب كله تحت لواء مذهب السنة والجماعة وتحكيم الشرع الرباني وتنزيله على المجتمع، بضمان الحقوق وتكريس الواجبات، وتمكين المجتمع من الاستقرار والانشغال بالنهضة والتنمية، فكان ذلك إيذانا بانطلاق عهد جديد مؤسس للشخصية المغربية ونبوغها الفكري والمعرفي.
خاتمة:
من خلال ما مر نستخلص أن وگاگ بن زلو اللمطي – بالرغم من قلة ما نعرفه عنه، وندرة ما أوردته عنه المصادر التاريخية - كان له دور عظيم في تثبيت حركة الإصلاح المالكي في القرنين الرابع والخامس للهجرة، وقد تأتى له ذلك بفضل جهوده في التدريس والتعليم والدعوة العامة والوعظ والتذكير، وأثمرت جهوده فخرج تلميذه عبد الله بن ياسين الجزولي الذي نظم القبائل اللمتونية وجعل منها قوة إصلاحية ضاربة، مكنت من توحيد المغرب سياسيا في دولة واحدة مركزية قوية، وجمع كلمة المغاربة على مذهب الإمام مالك المعتز بالسنة والجماعة، فنعم المغرب بالأمن الاجتماعي والعقدي وتفرغ المغاربة للتنمية الشاملة ولتأسيس شخصيتهم العلمية والفكرية المبنية على القيم اللإسلامية السمحة والتي آتت أكلها في عهود الدول المتلاحقة منذ ذلك العهد إلى الآن، وما ذلك كله إلا بفضل الشيخ وگاگ.. يقول محمد المختار السوسي معلقا على ترجمته المختصرة في المصادر وما نعت به في بعض المقيدات من كونه وليا صاحب كرامات:
" الذي عرف به وگاگ في التاريخ أنه أكبر عالم نحرير وفقيه ورع كما وصفه به شيخه أبو عمران، جدير بأن يكون تلميذا متخرجا بأبي عمران الفاسي المتخرج بالباقلاني في بغداد. وناهيك بمن يرتضي عبد الله بن ياسين أن يجثم بين يديه بعدما أخذ عن فطاحلة الأندلس في مفتتح القرن الخامس الهجري. وهل يجثم إلا بين يدي من ليس من دون أولئك الفطاحل؟ ثم إن تلك الهمة الفذة التي أسست مدرسة في جوف البادية، وملأها بالطلبة واستطاع أن يفتح قلوبا غلفا حتى يستطيع من عرض أبنائها فرد أحوذى أن يغامر في سبيل نشر الإسلام، فيصحر ثم لم يلبث إلا قليل حتى ساق بين يديه كل الصحراويين مؤمنين مغاوير فيستنقذون المغرب والجزائر والأندلس، في القرن الخامس، من براثين الإحتلال الأسباني الغاشم، فتلك هي الحياة التي يجب أن يعرف بها وگاگ وكفى بها مفخرة دائمة، وأحدوثة خالدة." [54]
الهوامش:
[1] - قيام دولة المرابطين، حسن أحمد محمود ص: 93 دار الفكر العربي القاهرة (د.ت)
[2] - راجع التعريف به ومصادرها في رياض النفوس لعبد الله بن محمد المالكي، 1/345 تحقيق بشير البكوش ومحمد العروسي المطوي، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1414/1994.
[3] - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض 4/ 204 تحقيق عبد القادر الصحراوي، منشورات وزارة الأوقاف، الرباط 1983.
[4] - ترجمته ومصادرها في رياض النفوس 1/490.
[5] - تراجع ترجمته في ترتيب المدارك ، للقاضي عياض 3/ 379 تحقيق عبد القادر الصحراوي، منشورات وزارة الأوقاف، الرباط 1968.
[6] - كانت لفقهاء القيروان على وجه الخصوص ملاحم عظيمة في مقارعة العبيديين ومحاربتهم دون فصولا منها القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك، في مواضع متفرقة منه، وفي معالم الإيمان في مواضع متفرقة منه، أنظر مثلا ترجمة جبلة بن حمود 2/272 تحقيق محمد الأحمدي أبو النور و محمد ماضور مكتبة الخانجي والمكتبة العتيقة بتونس.
[7] - قيام دولة المرابطين، حسن احمد محمود، ص: 95، دار الفكر العربي.
[8] - المرجع نفسه، ص: 98.
[9] - قيام دولة المرابطين، ص: 98-99.
[10] - أنظر الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين، القابسي تحقيق: أحمد خالد، الشركة التونسية للتوزيع، ط 1، 1986م، و كتاب آداب المعلمين ، لا بن سحنون، تقديم وتحقيق محمود عبد المولى، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع, الجزائر 1969.
[11] - معالم الإيمان 2/270.
[12] - المصدر نفسه، ص: 295 وما بعدها.
[13] - ترتيب المدارك 4/122.
[14] - المصدر نفسه، ص: 435.
[15] - تراجع تراجم هؤلاء الأعلام في ترتيب المدارم ومعالم السنن ورياض النفوس...
[16] - تراجع ترجمته في ترتيب المدارك 6/215.
[17] - أبو عمران الفاسي الغفجومي حافظ متفوق درس بالمغرب وبالقيروان والعراق والأندلس ثم عاد إلى فاس متفرغا للتدريس حتى أخرج منها فاستقر بالقيروان وبقي بها إلى وفاته سنة 430 ﻫ وقد أخذ عنه جم غفير من الطلبة واستفادوا من علمه وأخلاقه، أنظر ترجمته عند القاضي عياض ، ترتيب المدارك7/243 – 252.
[18] - ذكر البكري مدينة نول فقال:" ومدينة نول آخر مدن الإسلام وهي في أول الصحراء ونهرها يصب في البحر المحيط." أنظر المغرب في ذكر إفريقية والمغرب، ص: 161-162.
[19] - الاستبصار في عجائب الأمصار، لمجهول، نشر وتعليق سعد زغلول عبد الحميد، ص: 211 دار الشؤون الثقافية العامة، العراق (د.ت)
[20] - 11/33.
[21] - كما ورد عند ابن خلدون في تاريخه6/182.
[22] - dictionnaire touareg-Français, Charles de Foucault 1/408.
وقد طبع المعجم مصورا بخط مؤلفه في أربعة أجزاء ضخام، وهو الآن في حكم النادر ومنه نسخة مجانية مصورة على الموقع التالي:
[23] - أنظر كذلك التشوف إلى رجال التصوف، ص: 89 هامش المحقق رقم 24. و:
La langue berbère à travers l'onomastique médiévale : El-Bekri, Salem Chaker Revue de l'Occident musulman et de la Méditerranée, Année 1983, Volume 35 pp: 128.
ويرى سالم شاكر أن اللفظة كانت سائدة بالأمازيغية المغربية ولكنها سرعان ما عوضت بكلمة الفقيه وبقي استعمال كلمة ( أگاگ) عند الطوارق في شمال مالي .
[24] - بيوتات فاس الكبرى، شارك فيه ابن الأحمر، ص: 28 دار المنصور الرباط 1972.
[25] - وقد نقل ذلك العلامة محمد المنوني في مقاله: المؤسسات التعليمية الأولى بسوس، مجلة المناهل العدد34،ص:36.
[26] - المعسول 11/3
[27] - الأنيس المطرب بروض القرطاس، ابن أبي زرع، ص: 123.
[28] - أنظر مثلا التراجم التي ساقها المالكي في رياض النفوس بجزأيه.
[29] - أنظر حول أدوار الرباطات: الأربطة والمرابطة بإفريقيّة من خلال النّوازل المالكيّة (ق 8 ـ 10 م) الأستاذ عبد الكريم الشّبلي، مجلة التاريخ العربي العدد 25 –شتاء 2003 ، ص: 195 تصدر عن الجمعية المغربية للمؤرخين الرباط.
[30] - قال ابن خلدون: " كان منهم الفقيه وكاك بن زيرك صاحب أبى عمران الفاسى وكان نزل سجلماسة ومن تلميذه كان عبد الله بن ياسين صاحب الدولة اللمتونية على ما مر" كتاب العبر 6/203.
[31] - المغرب في ذكر إفريقية والمغرب، أبو عبيد البكري، ص: 165 دار الكتاب الإسلامي ، القاهرة (د.ت)
[32] - المصدر نفسه، ص: 153 .
[33] - أنظر التشوف للزيات، ص: 90-91 هامش 28 ، وقارن بما في دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، عصمت عبد اللطيف دندش، 90، دار الغرب الإسلامي 1988.
[34] - يقصد الحكاية التي وردت في كتاب التشوف عن رحلة المصامدة إلى وگاگ يستسقون به، أنظر التشوف، ص: 89.
[35] - المعسول 11/37.
[36] - رسالة صغيرة ألفها صالح بن أبي صالح عبد الحليم المصمودي، حول مسألة القبلة في المغرب، مخطوط الخزانة العامة رقم: 985 ق، وصدر بتحقيق المستشرقة الإسبانية مونيكا ريوس تحت عنوان "القبلة في الأندلس والمغرب الأقصى" في 61 صفحة للنص العربي، وطبع ضمن منشورات معهد "مياس فاليكروزة للتراث العلمي العربي" بكلية الآداب ببرشلونة سنة 2000. غير أن هذه الطبعة مليئة بالتصحيفات، وأكثر ما وضعته المحققة في الهوامش هو الصحيح خاصة بالنسبة لأسماء الأعلام، ومرد ذلك إلى ضعف معرفتها بالعربية والأمازيغية – لغة أسماء الأعلام- على السواء وقلة معرفتها بالمجال الذي يعالجه المخطوط وهو علم الفقه. وأشكر بالمناسبة أخي الأستاذ أحمد بن محمد السعيدي على إتحافي بهذه النسخة المصورة من أستاذنا الدكتور محمد المغراوي حفظه الله بكلية الآداب بالرباط.
[37] - رسالة القبلة، المخطوط، ص: 16 والمطبوع، ص: 45-46. وقد استخدمنا في كتابة أسماء الأعلام ما يردها إلى نطقها الأصلي الأمازيغي مثل الگاف والژاي ( الزاي المفخمة).
[38] - التشوف، ص: 89 هامش:24.
[39] - رسالة القبلة، ص: 47.
[40] - رسالة القبلة، ص: 44.
[41] - الأنيس المطرب بروض القرطاس، ص:123.
[42] - الاستقصا 2/6.
[43] - نسبة إلى تمنارت وهي منطقة بها عدة قرى في جنوب المغرب وقد وردت مصحفة بتاماناوت في المغرب للبكري، ص: 165 ونقل ذلك التصحيف عدد من الباحثين الذين لا يعرفون المنطقة ولا أعلامها، أنظر مثلا دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، عصمت دندش ص: 62 واعجب لتأويل المؤلفة اسم قبيلة جزولة (إيگوزولن) الموجودة في جبال سوس إلى گدالة (إيگدالن) الموجودة في الصحراء، وراجع تعريف عبد الله بن ياسين عند المختار السوسي في المعسول 11/ 39.
[44] - معاينة شخصية وزيارات متعددة للمكان المذكور فيما بين سنتي 1992 و 2009.
[45] - لم يشر أي مصدر إلى تاريخ وفاة العلامة وگاگ، إلا ما كان من العلامة محمد المختار السوسي، الذي اسنتج ذلك مما ذكره ابن خلدون عنه أنظر خلال جزولة 77/1 .
[46] - المدارس العلمية العتيقة بالمغرب وإشعاعها العلمي والأدبي، المدرسة الإلغية بسوس نموذجا، المهدي بن محمد السعيدي، ص: 26 منشورات وزارة الأوقاف الرباط 2006.
[47] - محمد المختار السوسي، ص: 16.
[48] - ص: 29. ولعل قائلا يقول إن اسم سوس في هذه المرحلة الوسيطة كان يطلق على رقعة واسعة من بلاد المغرب غير أن مراجعة نص ما ورد في بيوتات فاس يظهر أن المقصود السوس الأقصى بدليل حديث المؤلف عن فتح بلاد السوس والزحف إلى درعة وسجلماسة ثم المصامدة وهزميرة وهيلانة ووريكة وأغمات..
[49] - المغرب، ص: 166 ونرى هنا أن الشيخ وگاگ ما زال مقيما بملكوس لمّا رجع إليه عبد الله بن ياسين، ومن هنا نعرف أنه تأخر في الانتقال إلى أگلو..
[50] - نيل الأرب، النويري، 22/ .
[51] - كتاب العبر 6/183.
[52] - المغرب، ص: 166.
[53] - المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، البكري، ص: 166 وما بعدها.
[54] - المعسول 11/38.

الأحد، 30 أغسطس 2009

موقف علماء المغرب من تقديس الأضرحة.

كنت أقرأ هذه الأيام الجزء الأول من كتاب خلال جزولة لمحمد المختار السوسي، وهو من مؤلفاته في أدب الرحلة العلمية، كتبه في سياق رحلاته العلمية خلال جبال الأطلس الصغير وما حواليهما بعد أن سمحت له الإقامة العامة للحماية بالخروج من منفاه بمسقط رأسه إلغ والتجول في منطقة سوس فقط سنة 1360موافق 1940، قال عن ذلك:

"فقد مضت خمس سنوات تامة بعد اليوم الذي أمرت أن أنزوي إلى إيلغ، فكادت النفس فيها لولا لطف الله تصدأ مرآتها، ويأجن ماؤها ويغيم أفقها، ثم إنه لما صرح لي في 13 - 12 - 1360 هـ بأني مطلق السراح في سوس، تطلعت إلى أن أغتنم الفرصة بحسب الطاقة لأستتم المجهودات التي كنت افتتحتها منذ اليوم الذي نفيت فيه إلى إيلغ مفتتح 1356 هـ، فأرسلت عيني إلى الأمكنة التي فيها طلبتي، وفي خزانتها رغبتي، وبين صدور رجالها أمنيتي، فرأيتها شتى؛ منها ما تكون حاجتي فيه على طرف الثُّمام، ومنها ما أراه أبعد من العيوق، فاخترت أن أفتتح بالجهة التي كانت سُبلها معبّدة أمامي قبل اليوم بكثرة الإخوان والأصحاب" (1)

تحدث العلامة السوسي في هذا الكتاب ن رحلته إلى أكادير وإنزكان وتارودانت وأكلو وإكرار والمعدر وأيت براييم والعوينة بأولاد جرار وتزنيت. ومعلوم أن للسوسي أربع رحلات علمية في نواحي سوسي ملأها إفادات علمية وأدبية وتاريخية وأحصى فيها من لاقى من العلماء والأدباء وما رأى في الخزانات الخاصة من نوادر الكتب والمخطوطات والوثائق، وقد أثرت هذه الرحلات حصيلته العلمية حول المنطقة ومكنته من جمع مواد مهمة لمؤلفاته الكثيرة خاصة جمهرته العظيمة المعسول في 20 جزء.

وقد أثار انتباهي في هذا الكتاب تصريح محمد المختار السوسي بموقفه من تقديس القبور والاحتفاء بها واعتقاد الناس في الراقدين بها، وهو اعتقاد طالما ندد السوسي في كتاباته بما فيه من مغالاة وخروج عن مقتضى الشرع وتجاوز للسنة النبوية المشرفة، ومن نماذج مواقفه استهجانه قيام والده ببناء قبة على ضريح مؤسس المدرسة الإلغية محمد بن عبد الله الإلغي وذلك في الجزء الأول من المعسول.

أما في كتاب خلال جزولة وفي هذا الجزء الأول، فنجد السوسي يقف مليا عند هذه الظاهرة التي تبرز ما يعانيه المجتمع من جهل وبعد عن المحجة البيضاء التي طالما نبه عليها علماء الشرع في المغرب، ونددوا بما فيها من شرك ووثنية.

ويظهر موقف العلامة السوسي في موطنين من كتابه، أولهما قوله وقد وقف على بعض الأضرحة بمنطقة أكلو الواقعة غرب مدينة تزنيت جنوب المغرب، وفيها قبور على كل منها دربوز ولباس:

" ..وعند منقطع كثبان الرمال هناك، مشاهد ثلاثة متقاربة: أحدها على من يسمونه بسيدي موسى، وقبته بنيت كما في بعض جدرانها سنة 1254 هـ وثانيها على من يسمونه بسيد مولاي، وقبته بنيت سنة 1264 هـ، كما كتب فيها أيضاً، وعلى كليهما دربوز ولباس، فقلت: أين من يلبس الأحياء يا عباد الله في هذا الوقت الذي عري فيه الأحياء، وتلبس فيه أعواد الموتى، أهكذا يا عباد الله دين الإسلام؟ أهذا مما يقبله العقل؟ فلم أشعر أن قلت:

ياليت لي سعـــــد القبو ******* ر فألبـس الحلـل الرفيعــة

ويشــــاد بيتـــي قبـــة******* شمـــــاء مــن قمــم بديعـة

ويطاف حولـي والجيو ****** ب تصب في وسط الربيعة (2)

ويصونني الحجاب ممـ ****** ـن سنهـم نحـوي سريعــــة

وتجيــب آمــــــــال إذا ****** ناديـــــت لبتنـــي ســريعــة

فأظل طـول العمـر في ****** علـــــــم ومرتبـــــة منيعـــة

حتى يجيء رسول ربـ ****** ـي كـــي أسلمـــه الوديعـــة

فـإذن تقضــى منيتــي ****** ممــــن حياتهـــــم خديعــــة

فيكــون أمــري للــذي ****** بعدي إذا أضحــى سميعــة

أن لا يسنــم مرمســي ****** وفق المحقق في الشريعة

فالخير كــل الخيــر في ****** بعــد الأنام عــن البديعــة(3)

دعني من الأقوال فهـ ****** ـــي كثيــرة شتــى صديعــة

ظلم لمــن يرنــو فــلا ****** يلقــى بمطلعهــــا صديعــــة

أمــا الطريــق المستنـ ****** ـير لمن هم من خير شيعــة

فالسنــة الغــرّاء نــــو ****** ر أبصِروا قومــي سطيعــة

ودعوا بنيات الطريــق****** مباعديــن عــن الذريعــــة

هــذا الرحيــق مروقــا ****** مــن ذا يــديــل بــه مجيعــة

من لــم تشرفــه الشريـ****** ـيعــة هــل تشرفــه البديعــة؟

رفــع النواوس عندنـــا ****** حقّاً مــن البــدع الفظيعــة

لكن لــدى الجهـال ليس ****** يعــــد عندهــــم شنيعــــة

(رجع وانعطاف)، وقد غفلنا حتى انجرّ بنا الكلام إلى ما لا نريد كثيراً أن نقضي فيه أوقاتنا؛ لأن الناس ما بين من لم يعرف ما يصنع فلا يقعقع له بشنان، وبين جاهل لا يرجع إلا بالقوة الدينية، وأين تلك القوة الدينية عندنا اليوم؟ ورحم الله الشيخ التاموديزتي جُنيد زمانه الذي كان دائماً ينكر مثل هذا، فيكسر الجص على قبر مثل شيخه المعدري، وعلى قبر سيدي سعيد بن عبد النعيم، ويأذن بأخذ الثياب التي على القبور ما أمن الآخذ أن يهتك عرضه، ويأمر بقلع الأشجار التي تعتاد النساء ربط الخرق بها، والاستعاذة بالجن الذي تتوهمه ساكناً إزاءها، ثم لما احتضر أوصى أن يدفن بين مقابر المسلمين، وأن لا يميز قبره بينهم، وقال: "إنني لا أسامح من جاء يدق فوق رأسي" هكذا أحيا السنة من هذه الناحية رحمه الله، ولكن صرخته ذهبت في واد، فلم تؤثر، أيحسب مثلنا من الجهال المذنبين أن يتصدى لذلك فيسمع له؟ اللهم لا، فإن الماء إذا لم يصف لا يصفى.

لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ****** بنفسي لي شغل عن الناس شاغل

اللهم وفقنا لنعمل بما علمنا أنه حق، وقيّض لعبادك من تختاره لإرشادهم، فقد شغرت سبل الإرشاد وضاعت صوى الحق، ونشأ هذا الجيل يجهل العلم والعمل معاً، وإن كان من بعضه متمعلم، فإنك تجده أبعد الناس عن الحق وعن اتباع ذويه."(4)

ثانيهما: في وصف مخطوط قيم أحضره للسوسي صديقه علي بن الطاهر المحجوبي لما جاء للقائه، قال السوسي يصف ما احتوى المخطوط من نوادر المؤلفات:

" أجوبة للشيخ الفقيه حسين بن إبراهيم الجزولي عن أسئلة حول زيارة القبور وكيفيتها، وعن محل أرواح الموتى، وما معنى الموت؟ وهل يعرف الميت من زاره؟ وهل يجوز أخذ تراب من قبر تبركاً به؟ ... هذه الأسئلة هي التي أجيب عنها بهذا المؤلف، ولا أعرف الآن من هو حسين هذا من الجزوليين؟ وقد نقل في الكتاب عن القرافي، والبرنوسي، والغزالي، واليافعي، وإبراهيم بن هلال، والبرزلي، وابن المواز، وابن عبد البر، وعياض، والزمخشري، وابن لب، والجزولي يعني عبد الرحمن الكرسيفي، ثم الفاسي شارح الرسالة، ويستشهد أحياناً بالحديث، ومما أعجبني منه أنه قال: لا يمسح أحد القبر ولا يُقبّله ولا يمسه لأن ذلك من عادة النصارى. وكذلك الأخذ من تراب الصالح فهو بدعة، فالتبرك في الحقيقة باستعمال ما كانوا عليه من الأوصاف الدينية والأمور الشرعية، وقد ذكر هناك أن ابن عمر وقف على قبر أخيه عاصم وأنشد:

فإن تك أحــزان وفائض عبــرة ****** جرين دماً من داخل الجوف منقعا

تجرعتها في عاصم واحتسبتها ****** بأعظـم منـه مـا احتسـى وتجرعـا

فليت المنايـا كنّ خلّفـن عاصمـا ****** فعشنـا جميعــا أو ذهبـن بنـا معـا

دفعنـا بـك الأيــام حتـى إذا أتـت ****** تريدك لم نسطــع لها عنك مدفعــا" (5)

هكذا كان موقف العلامة محمد المختار السوسي من القبور وعبادها، في عهد الاستعمار الذي دعم تقديس المشاهد واعتنى بها إمعانا في خداع الناس والتلبيس عليهم، وقد توفي السوسي رحمه الله ورضي عنه غير أن صيحته هذه مازالت ترن في الآذان - ونحن قد جاوزنا السنة الخمسين للاستقلال - مشتكية اهتمام الناس بالأموات وإهمال الأحياء، والإيمان بالخرافات، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

-------------------------------

1 - خلال جزولة 1- 5

2- الربيعة: العلبة تجعل عند رأس الميت في الضريح لتوضع فيها النقود.

3 - البديعة: جمعها بدائع وهي البدعة.

4- خلال جزولة 1/ 81-82.

5-نفسه، ص:57.


الأحد، 23 أغسطس 2009

صور من مدينتي: سحر الضوء وغفلة الزمن.

ما أحلى الصدف وما أكثر ما تسوق إلينا من مفاجآت طيبة وكنوز ثمينة، تكون حولنا تطوف علينا، ونحن لاهون عنها ساهون عن وجودها، خاصة في هذا الزمن الرقمي الجارف.
كنت أبحث في الموقع العالمي للصور ( فليكر)، فاتفق أن كتبت اسم المدينة التي نشأت بها وهي مدينة تارودانت، حاضرة سوس، وبلد التاريخ العريق والسكينة والهدوء، والحياة الهادئة، فاجأني هذا الموقع العالمي بمجموعة من الصور الطريفة لهذه البلدة، بعضها قديم يعود إلى أوائل القرن العشرين وكثير منها حديث، صور الطبيعة والناس والبنايات والأسواق... غير أن ما استوقفني أكثر هو مجموعة صور للسائحة الأسترالية ويندي تينر (Wendy Tanner) التي زارت المدينة سنة 1975 والتقطت مجموعة من الصور، قامت بعد 33 سنة بنشرها على فليكر.
تصفحت هذه الصور واحدة واحدة...تذكرت المدينة عندما كنت طفلا يدرس في المستوى الابتدائي، رأيت مناظر وشخوصا قد انمحت من ذاكرتي، تذكرت بنايات تغيرت وأحوالا تبدلت، وملابس تغيرت، وهيآت تحولت... كان الأمر رجوعا إلى التاريخ وتذكرا لزمن مضى وانقضى وعدا التحول على كثير
من جوانبه، ولم تبق منه سوى ملامح باهتة وأطلال دارسة تحكي مرارة الأيام ...رأيت سوق جنان الجامع كما كان، ورحبة الزرع حيث تباع الحبوب، وسور المدينة الذي سقطت أجزاؤه ثم رممت بمواد جديدة تخالف ما كان عليه فصار الترميم مسخا، رأيت أزقة المدينة الضيقة وممراتها الصغيرة درست بعد أن سقطت الجدران التي كانت تحوطها، فتوسعت وصارت طرقا متسعة شيئا ما..رأيت مظاهر انقرضت من المدينة أو كادت..رجال بعمائم وجلاليب يمتطون بهائم، وتجارا في السوق متقلدين (الشكارة).. كانت تلك صورة جميلة لبعض مظاهر مدينتي قبل أزيد من 30 سنة...
ولابد هنا أن ننوه بمبادرة هذه السائحة التي أتحفتنا بالصور الناذرة، وقد سبق أن أشرت في إحدى الدراسات التي ستنشر قريبا عن توثيق السياح للتراث المغربي، أننا نعيش مرحلة استعادة التراث عبر الصور الشمسية وشرائط الفيديو التي نراها تعرض على الشبكة العالمية للمعلومات، تنبؤنا عن ماض نسيناه أو تناسيناه وتفضح أمام أعيننا سرعة تغير مجتمعنا، وتبدل أحواله المادية وما يثوي خلفها من قيم وعادات حميدة صارت الآن على أطراف النخيل، فهل سنتنبه لهذا التحول السريع المخيف، أم أننا سننظر إلى هذه الصور وكأنها تحف من التاريخ لا نفع لها إلا ما فيها من طرافة وما تثيره في النفوس من الشجن والشوق...
ختاما ذكرت السائحة الأسترالية أنها التقطت الصور عندما قضت بالمغرب ستة أشهر وعمرها آنذاك 26 سنة،
قضت منها زمنا في تارودانت في ضيافة أسرة الشنكيطي، كما ذكرت أن الذي دفعها إلى نشر هذه الصور بعد مضي هذا الوقت ابنها الذي عاد من سفره الأول خارج البلاد وهو الآن في سن والدته عندما زارت المغرب، فحثها على رقمنة الصور ونشرها.. وهنا يتوقف الكلام ويفسح المجال للضوء والألوان لعلها تكون أكثر تعبيرا ووضوحا..

ربما تكون هذه الحوانيت في ساحة أسراكَ
تجار الحبوب برحية الزرع بسوق جنان الجامع
يائع الخزف في سوق جنان الجامع
تجار البزار
باب تارغونت
باب القصبة
باب القصبة منظر جانبي




زقاق في اتجاه مسجد سيدي وسيدي يمينا والزاوية التجانية يسارا

مسجد فرق الأحباب الباب الغربي
الباب الجنوبي لمسجد فرق الأحباب (وهو محاذ لبقعة بيضاوش إيطا المبنية حديثا)
وبقية الصور في عرض على الرابط التالي بموقع:
*************************
ثم بعد نشر هذه الخاطرة توصلت برسالة جوابية من السائحة الأسترالية ( وهي مدرسة للغة الأنجليزية) نصها:

Hello Esaid
.... I am honoured that you have blogged my photos - I wish I could read Arabic, so I could read your blog !! I am very pleased that you enjoyed to see the photos. I have wonderful memories of Taroudant too.
I am wondering what faculty you work in as a professor. I am also a teacher - I teacher English adult migrants, here in Australia......
I wish you a good month for Ramadan

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

الخط المغربي، أصالة التراث وضرورات التجديد.


مصحف شريف بالخط المغربي من القرن العاشر الهجري
يعد الخط العربي من أكثر مظاهر الفن الإسلامي روعة وبهاء، وأخصبها تنوعا وجمالا، ومن أروع الخطوط العربية الخط المغربي بتفرده وروعته واتساقه ودلالته العميقة على الشخصية الحضارية للمغرب الأقصى ضمن بلاد الإسلام قاطبة..وقد نبغ في المغرب خطاطون كثيرون جودوا الكتابة وتأنقوا في التزويق والزخرفة، ذكر العلامة المرحوم محمد بن عبد الهادي المنوني طائفة كبيرة منهم في كتابه القيم الفريد تاريخ الوراقة المغربية. واحتلت كتاباتهم مكانها اللائق في الأسفار والمراسلات الإدارية وفي المعمار بالمساجد والدور والقصور.
ولست هنا بصدد الحديث عن تاريخ الخط المغربي ولا ذكر أنواعه واختلافاته،ومن أراد ذلك فلينظر مدونة أستاذنا الدكتور محمد المغراوي الأستاذ بجامعة محمد الخامس ورئيس تحرير مجلة دعوة الحق، وإنما القصد إلى الإشارة لأهمية العناية بهذاالخط وتطويره، ونشير هنا إلى إحداث جائزة محمد السادس للخط المغربي وهي مبادرة هامة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، نرجو أن تتسع لتشمل تقعيد هذا الخط بقواعد علمية مضبوطة، وتعمل على إحداث مدارس للخط المغربي في الجهات المغربية الكثيرة تكون الشباب على إتقان الكتابة به وتشجعهم على التجويد والمشاركة في المسابقات الوطنية والدولية، وتعمل على سن قوانين لتشجيع استعماله في المكاتبات الرسمية بالدوائر الإدارية وفي الإشهارات العمومية..وغير ذلك

الخط المغربي في مجال المعمار أصالة وتميز( مدرسة العطارين بفاس) المصدر.

ولا ننسى مجالا آخر تأخر فيه المغاربة كثيرا وهو مجال الخطوط الرقمية، فقد انتبه إخواننا المشارقة منذ سنوات إلى تطوير الخطوط العربية الرقمية لاستخدامها في الحاسوب، ونشأت شركات متخصصة في ذلك، أما عندنا في المغرب فليست هناك بعد أي محاولة لرقمنة الخطوط، وإنما نحن عالة على المشارقة، وأول خط مغربي رقمي ظهر منذ سنوات خط نبع العرب (Arabswell) بنمطيه العادي والغليظ، ( وبتنويعاته التي ظهرت بعده) وتم استخدامهما بكثرة في المغرب، غير أن هذا الخط تنقصه الجودة وفي بعض حروفه تمدد غير جميل، إلا أن تفرده في المجال الرقمي جعل الإقبال عليه متزايدا، على أمل ظهور خط رقمي جديد يقارب أو يوازي جمالية الخطوط المغربية كما رأيناها واستمتعنا بروعتها من يراع الخطاط المغربي محمد المعلمين صاحب الكراسة التعليمية المفيدة، والخطاط محمد قرماد..

جمالية الخط المغربي في المصاحف تطبيق لمبدأ الإحسان في العمل
وقد سبق لي أن تذاكرت مع أحد الخطاطين عن استعمال الحاسوب، فكان موقفه متطرفا من ذلك زاعما أن الحاسوب لا يمكن أن يقوم بما يقوم به الخطاط، وأن الخطوط المستعملة فيه تفتقد الانسيابية والجمالية التي توجد في الخط اليدوي، إلا أنه -وإن كان اهذا لأمر صحيحا - فلا ينبغي أن نعتبر خطوط الحاسوب منافسة للخطاطين، ولا ينبغي أن نغفل هذاالمجال، لأن التاريخ لن يعود إلى الوراء، والناس على أي حال سيستعملون ما يجدون من خطوط جيدة كانت أم رديئة.
وفي الوقت الذي مازلنا فيه نتناقش حول ادخال الخط المغربي إلى الحاسوب، ها هم إخواننا المشارقة يعملون بجد وينوبون عنا في هذا المجال فيصممون الخطوط ويقوم ببرمجتها ثم توظيفها، وها هم يقترحون علينا انتاجاتهم، ومن آخرها خط مسعد المغربي الذي صممه مسعد الحسيني المشرف على منتدى أهل الأثر.
وقد قمت بتنزيل هذا الخط وتجربته فبدا لي جميلا وهو أفضل من خط نبع العرب السابق بكثير، فشكرا لصاحب هذاالخط وبارك الله، نشكره لأنه اهتم بالخط المغربي ثم لأنه مكننا من استخدام الخط مجانا بأن وضعه في منتداه وجعل تنزيله متاحا لكل من أراد من أعضاء ذلك المنتدى..



نموذج لخط مسعد المغربي
(العبارة من مقال جماليات الخط المغربي: تاريخ وفن
على هذا الرابط)

هذا وقد سمعنا مؤخرا أن الخطاط محمد قرماد قام بتصميم خطوط جديدة بالحاسوب للخط المغربي ولكن لم نتمل بعد بنماذج منها، وقد ذكر في الحوار الذي أجري معه بموقع الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، أن الذي دفعه إلى ذلك: " الدفع بعجلة الخط المغربي إلى الأمام، وجعله يتماشى مع زمن العولمة والتكنولوجيا، ومواكبة آليات الطبع الحديثة بمختلف أنواعها، والتعريف بهذا الخط وجعله يقاوم كل هذه التيارات التي تهب عليه من كل جانب. والآثار الإيجابية لهذا الإجراء هي الاجتهاد في وضع قوالب خطية وأنماط وأنواع تشكيلية، تتماشى واللوحة الخطية والتشكيل العربي والمغربي، وجعل الناس يستأنسون بحروفنا وبأبجديتنا المغربية؛ وهي طريقة جديدة تغني خزانتنا وتسهل طريق أمام الباحثين والمتعطشين إلى رؤية هذا الحرف البديع في حلة جديدة ومتناسقة."
ولا شك أن هذه الخطوة مهمة للغاية وتستحق كل تشجيع وتنويه لاسيما أن القائم بها صاحب خبرة وتجربة في الميدان إضافة إلى غيرته وحماسه لخدمة الخط المغربي وتطويره.. فعلى الجهات المعنية الأخذ بيده وتمكينه من وسائل الإبداع مع حفظ حقوقه المعنوية والمادية المرتبطة بإنتاجه هذا."
فحيا الله جهود الغير وقوّاها وبارك فيها، وسددها للخير، والمستقبل بحمد الله مشرق وفي المغرب خبرات مقتدرة وهمم طماحة للمعالي وإنما ينقصها التشجيع ولو بالكلمة.. ونحن نأمل أن يتم تطوير الخط المغربي وتظهر خطوط معبرة عن السمات الجهوية المغربية فنرى الخط الفاسي والطنجي والمراكشي والسوسي والصحراوي والدرعي، وما من شك في أن بعض بوادر هذه التنويعات موجودة في المخطوطات الكثيرو المبثوتة في كل قرية أو مدينة من مدن المغرب، ولا تنتظر سوى اجتهاد الباحثين وجد الخطاطين لتبرز غنى التراث المغربي في مجال الخطوط وأصالته وتميزه.






السبت، 15 أغسطس 2009

المؤلفات الأمازيغية لعبد الحميد الصوفي.

y
نظم فريق البحث في التراث السوسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير ندوة علمية حول العلامة القاضي عبد الحميد الصوفي وأعماله الأدبية والعلمية، في شهر ماي 2007، وقد شاركت في هذه الندوة بعرض حول المؤلفات التي ألفها هذا العالم بالأمازيغية السوسية " تاشلحيت" ودافعه تفقيه أهل بلده في دينهم وفتح باب المعرفة الشرعية أمامه حتى لا يبقوا جامعين بين الأمية والجهل بالدين، ولم يكن عمل القاضي الصوفي بدعة جديدة ابتكرها، وإنما سار على خطى العلماء السابقين الذين ترجموا أمهات الكتب الفقهية إلى الأمازيغية بدءا من الدعاة الأوائل للإسلام بالمغرب، مرورا بالعلماء في عهد المرابطين والموحدين ثم عهد السعديين والعهود الأخيرة، ومن أبرز الكتب المترجمة نذكر مختصر الشيخ خليل الذي ترجمه نظما العلامة محمد بن علي الهوزالي المشهور بأكبيل، وقسم العبادات من مجموع الأمير المصري ترجمه الشيخ علي الإلغي، وكتاب رياض الصالحين ترجمه الفقيه عبد الله بن الشيخ الإلغي... وغيرها من الكتب الفقهية وكتب السيرة والحديث ..التي أسهمت في إكساب السوسيين المتحدثين بالأمازيغية العلم والمعرفة بدينهم وعقيدتهم، حتى كان منهم أميون يحاجون العلماء والفقهاء في بعض النوازل والقضايا وما ذلك إلا لأنهم أكبوا على هذه الكتب حتى حفظوها أو كادوا..
هذا كله ما دفعني إلى العناية بهذه المؤلفات لإبراز تعلق المغاربة على اختلاف ألسنهم بدينهم ومحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشغفهم بالتفقه في الدين والازدياد من معرفته، وهذا الحرص أملى على العلماء وهم رواد أهلهم، أن لا يخذلوهم، فنقلوا المعرفة العلمية الشرعية من العربية لغة القرآن والسنة إلى الأمازيغية لغة الحياة اليومية، نقلا أمينا وفق منهج دقيق وصارم هدفه التعليم والتثقيف ونشر الوعي..
وفيما يلي نص العرض مصورا ولكن بالأمازيغية السوسية فقط وسيكون النص العربي منشورا بحول الله على هذه المدونة في أقرب الآجال، والسلام
الجزء الأول من العرض



الجزء الثاني من العرض:




الجزء الأخير من العرض


من وحي برنامج " لعلما ن تمازيرت " بالأمازيغية السوسية "تاشلحيت"

كنت أبحث هذه الأيام في أرشيف الرسائل فوقعت على رسالة من الأستاذ عبد الله بن الطاهر إمام مسجد الإمام مالك بأكادير، وكان طلب مني تزويده - جزاه الله خيرا - بعنوان بعض الحلقات المنشورة على الشبكة العالمية لبرنامج " لعلما ن تمازيرت" لينشرها على موقعه الخاص المتنوع، الذي يعتني فيه بالتراث المحلي لمنطقة سوس والجانب العلمي منه على وجه الخصوص، فأردت إسعافه ولما كانت هذه التسجيلات قد نشرت بموقع وزارة الأوقاف، وقد صحفت أسماء الأعلام فيها، عملت على تصحيحها وإرسالها إليه، وقد استمعت خلال ذلك كله إلى بعض الحلقات فتذكرت عهدا قريبا كنت فيه أذهب كل يوم اثنين إلى إذاعة أكادير الجهوية لتسجيل الحلقات والقيام بتوضيبها بنفسي، وكان ذلك فرصة لي للتعرف على العمل الإذاعي وكيفيته وطرق التسجيل وأساليب التوضيب وتقنياته بواسطة الحاسوب، ولابد أن أحيي في هذا المقام السيدة الفاضلة والمذيعة المقتدرة مريم الصافي التي كانت آنذاك مديرة لإذاعة أكادير فهي التي رحبت بتقديم البرنامج وأشرفت بنفسها على تسجيل مقدمته، في أحد أيام شهر نونبر عام 2006 قبل أن تنتقل إلى إذاعة فاس، ويكون من أثر ذلك توقف البرنامج وحرمان محبيه من تتبع حلقاته التي نافت على 100 حلقة تم تسجيلها على مدى عامين.. من وحي هذه الذكرى كانت هذه الفكرة، وهذه النماذج المسجلة للحلقات.. (لقراءة بقية المقال أنقر هنــــــــــــــا)

الاثنين، 10 أغسطس 2009

كتاب روضة الأفنان في وفيات الأعيان لمحمد بن أحمد الإكراري ( ت 1358)


صدرت مؤخرا عن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير الطبعة الثانية من كتاب روضة الأفنان لمحمد بن أحمد الإكراري بتحقيق الأستاذ حمدي أنوش رحمه الله ( ت 1997) الأستاذ سابقا بشعبة التاريخ بتصحيح ومراجعة الأستاذ محمد الحاتمي الأستاذ بشعبة اللغة العربية وآدابها، وكنت قبل عشر سنوات قد نشرت مقالا بملحق الفكر الإسلامي لجريدة العلم بمناسبة صدور الطبعة الأولى بإشراف لجنة من الأساتذة، فها هو ذا المقال منشور من جديد مع بعض التعديلات الطفيفة، وهو إن مرت عليه عشر سنوات إلا أنها لم تبليه، فالكتاب هو الكتاب ومضامينه هي هي ودراسته التي قمت بها نظرة موجزة فاحصة عن مؤلفه ومنهجه وموقف المعاصرين منه لا سيما أن المؤلف الإكراري تميز بمنهجه الصارم في الحديث عن المترجمين مصرحا بكل ما يعرف عنهم ... تابع القراءة من هنـــــــــــا
الأستاذ حمدي أنوش الباعمراني رحمه الله محقق كتاب روضة الأفنان
(ت 1997/1417)