بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 أغسطس 2009

موقف علماء المغرب من تقديس الأضرحة.

كنت أقرأ هذه الأيام الجزء الأول من كتاب خلال جزولة لمحمد المختار السوسي، وهو من مؤلفاته في أدب الرحلة العلمية، كتبه في سياق رحلاته العلمية خلال جبال الأطلس الصغير وما حواليهما بعد أن سمحت له الإقامة العامة للحماية بالخروج من منفاه بمسقط رأسه إلغ والتجول في منطقة سوس فقط سنة 1360موافق 1940، قال عن ذلك:

"فقد مضت خمس سنوات تامة بعد اليوم الذي أمرت أن أنزوي إلى إيلغ، فكادت النفس فيها لولا لطف الله تصدأ مرآتها، ويأجن ماؤها ويغيم أفقها، ثم إنه لما صرح لي في 13 - 12 - 1360 هـ بأني مطلق السراح في سوس، تطلعت إلى أن أغتنم الفرصة بحسب الطاقة لأستتم المجهودات التي كنت افتتحتها منذ اليوم الذي نفيت فيه إلى إيلغ مفتتح 1356 هـ، فأرسلت عيني إلى الأمكنة التي فيها طلبتي، وفي خزانتها رغبتي، وبين صدور رجالها أمنيتي، فرأيتها شتى؛ منها ما تكون حاجتي فيه على طرف الثُّمام، ومنها ما أراه أبعد من العيوق، فاخترت أن أفتتح بالجهة التي كانت سُبلها معبّدة أمامي قبل اليوم بكثرة الإخوان والأصحاب" (1)

تحدث العلامة السوسي في هذا الكتاب ن رحلته إلى أكادير وإنزكان وتارودانت وأكلو وإكرار والمعدر وأيت براييم والعوينة بأولاد جرار وتزنيت. ومعلوم أن للسوسي أربع رحلات علمية في نواحي سوسي ملأها إفادات علمية وأدبية وتاريخية وأحصى فيها من لاقى من العلماء والأدباء وما رأى في الخزانات الخاصة من نوادر الكتب والمخطوطات والوثائق، وقد أثرت هذه الرحلات حصيلته العلمية حول المنطقة ومكنته من جمع مواد مهمة لمؤلفاته الكثيرة خاصة جمهرته العظيمة المعسول في 20 جزء.

وقد أثار انتباهي في هذا الكتاب تصريح محمد المختار السوسي بموقفه من تقديس القبور والاحتفاء بها واعتقاد الناس في الراقدين بها، وهو اعتقاد طالما ندد السوسي في كتاباته بما فيه من مغالاة وخروج عن مقتضى الشرع وتجاوز للسنة النبوية المشرفة، ومن نماذج مواقفه استهجانه قيام والده ببناء قبة على ضريح مؤسس المدرسة الإلغية محمد بن عبد الله الإلغي وذلك في الجزء الأول من المعسول.

أما في كتاب خلال جزولة وفي هذا الجزء الأول، فنجد السوسي يقف مليا عند هذه الظاهرة التي تبرز ما يعانيه المجتمع من جهل وبعد عن المحجة البيضاء التي طالما نبه عليها علماء الشرع في المغرب، ونددوا بما فيها من شرك ووثنية.

ويظهر موقف العلامة السوسي في موطنين من كتابه، أولهما قوله وقد وقف على بعض الأضرحة بمنطقة أكلو الواقعة غرب مدينة تزنيت جنوب المغرب، وفيها قبور على كل منها دربوز ولباس:

" ..وعند منقطع كثبان الرمال هناك، مشاهد ثلاثة متقاربة: أحدها على من يسمونه بسيدي موسى، وقبته بنيت كما في بعض جدرانها سنة 1254 هـ وثانيها على من يسمونه بسيد مولاي، وقبته بنيت سنة 1264 هـ، كما كتب فيها أيضاً، وعلى كليهما دربوز ولباس، فقلت: أين من يلبس الأحياء يا عباد الله في هذا الوقت الذي عري فيه الأحياء، وتلبس فيه أعواد الموتى، أهكذا يا عباد الله دين الإسلام؟ أهذا مما يقبله العقل؟ فلم أشعر أن قلت:

ياليت لي سعـــــد القبو ******* ر فألبـس الحلـل الرفيعــة

ويشــــاد بيتـــي قبـــة******* شمـــــاء مــن قمــم بديعـة

ويطاف حولـي والجيو ****** ب تصب في وسط الربيعة (2)

ويصونني الحجاب ممـ ****** ـن سنهـم نحـوي سريعــــة

وتجيــب آمــــــــال إذا ****** ناديـــــت لبتنـــي ســريعــة

فأظل طـول العمـر في ****** علـــــــم ومرتبـــــة منيعـــة

حتى يجيء رسول ربـ ****** ـي كـــي أسلمـــه الوديعـــة

فـإذن تقضــى منيتــي ****** ممــــن حياتهـــــم خديعــــة

فيكــون أمــري للــذي ****** بعدي إذا أضحــى سميعــة

أن لا يسنــم مرمســي ****** وفق المحقق في الشريعة

فالخير كــل الخيــر في ****** بعــد الأنام عــن البديعــة(3)

دعني من الأقوال فهـ ****** ـــي كثيــرة شتــى صديعــة

ظلم لمــن يرنــو فــلا ****** يلقــى بمطلعهــــا صديعــــة

أمــا الطريــق المستنـ ****** ـير لمن هم من خير شيعــة

فالسنــة الغــرّاء نــــو ****** ر أبصِروا قومــي سطيعــة

ودعوا بنيات الطريــق****** مباعديــن عــن الذريعــــة

هــذا الرحيــق مروقــا ****** مــن ذا يــديــل بــه مجيعــة

من لــم تشرفــه الشريـ****** ـيعــة هــل تشرفــه البديعــة؟

رفــع النواوس عندنـــا ****** حقّاً مــن البــدع الفظيعــة

لكن لــدى الجهـال ليس ****** يعــــد عندهــــم شنيعــــة

(رجع وانعطاف)، وقد غفلنا حتى انجرّ بنا الكلام إلى ما لا نريد كثيراً أن نقضي فيه أوقاتنا؛ لأن الناس ما بين من لم يعرف ما يصنع فلا يقعقع له بشنان، وبين جاهل لا يرجع إلا بالقوة الدينية، وأين تلك القوة الدينية عندنا اليوم؟ ورحم الله الشيخ التاموديزتي جُنيد زمانه الذي كان دائماً ينكر مثل هذا، فيكسر الجص على قبر مثل شيخه المعدري، وعلى قبر سيدي سعيد بن عبد النعيم، ويأذن بأخذ الثياب التي على القبور ما أمن الآخذ أن يهتك عرضه، ويأمر بقلع الأشجار التي تعتاد النساء ربط الخرق بها، والاستعاذة بالجن الذي تتوهمه ساكناً إزاءها، ثم لما احتضر أوصى أن يدفن بين مقابر المسلمين، وأن لا يميز قبره بينهم، وقال: "إنني لا أسامح من جاء يدق فوق رأسي" هكذا أحيا السنة من هذه الناحية رحمه الله، ولكن صرخته ذهبت في واد، فلم تؤثر، أيحسب مثلنا من الجهال المذنبين أن يتصدى لذلك فيسمع له؟ اللهم لا، فإن الماء إذا لم يصف لا يصفى.

لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ****** بنفسي لي شغل عن الناس شاغل

اللهم وفقنا لنعمل بما علمنا أنه حق، وقيّض لعبادك من تختاره لإرشادهم، فقد شغرت سبل الإرشاد وضاعت صوى الحق، ونشأ هذا الجيل يجهل العلم والعمل معاً، وإن كان من بعضه متمعلم، فإنك تجده أبعد الناس عن الحق وعن اتباع ذويه."(4)

ثانيهما: في وصف مخطوط قيم أحضره للسوسي صديقه علي بن الطاهر المحجوبي لما جاء للقائه، قال السوسي يصف ما احتوى المخطوط من نوادر المؤلفات:

" أجوبة للشيخ الفقيه حسين بن إبراهيم الجزولي عن أسئلة حول زيارة القبور وكيفيتها، وعن محل أرواح الموتى، وما معنى الموت؟ وهل يعرف الميت من زاره؟ وهل يجوز أخذ تراب من قبر تبركاً به؟ ... هذه الأسئلة هي التي أجيب عنها بهذا المؤلف، ولا أعرف الآن من هو حسين هذا من الجزوليين؟ وقد نقل في الكتاب عن القرافي، والبرنوسي، والغزالي، واليافعي، وإبراهيم بن هلال، والبرزلي، وابن المواز، وابن عبد البر، وعياض، والزمخشري، وابن لب، والجزولي يعني عبد الرحمن الكرسيفي، ثم الفاسي شارح الرسالة، ويستشهد أحياناً بالحديث، ومما أعجبني منه أنه قال: لا يمسح أحد القبر ولا يُقبّله ولا يمسه لأن ذلك من عادة النصارى. وكذلك الأخذ من تراب الصالح فهو بدعة، فالتبرك في الحقيقة باستعمال ما كانوا عليه من الأوصاف الدينية والأمور الشرعية، وقد ذكر هناك أن ابن عمر وقف على قبر أخيه عاصم وأنشد:

فإن تك أحــزان وفائض عبــرة ****** جرين دماً من داخل الجوف منقعا

تجرعتها في عاصم واحتسبتها ****** بأعظـم منـه مـا احتسـى وتجرعـا

فليت المنايـا كنّ خلّفـن عاصمـا ****** فعشنـا جميعــا أو ذهبـن بنـا معـا

دفعنـا بـك الأيــام حتـى إذا أتـت ****** تريدك لم نسطــع لها عنك مدفعــا" (5)

هكذا كان موقف العلامة محمد المختار السوسي من القبور وعبادها، في عهد الاستعمار الذي دعم تقديس المشاهد واعتنى بها إمعانا في خداع الناس والتلبيس عليهم، وقد توفي السوسي رحمه الله ورضي عنه غير أن صيحته هذه مازالت ترن في الآذان - ونحن قد جاوزنا السنة الخمسين للاستقلال - مشتكية اهتمام الناس بالأموات وإهمال الأحياء، والإيمان بالخرافات، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

-------------------------------

1 - خلال جزولة 1- 5

2- الربيعة: العلبة تجعل عند رأس الميت في الضريح لتوضع فيها النقود.

3 - البديعة: جمعها بدائع وهي البدعة.

4- خلال جزولة 1/ 81-82.

5-نفسه، ص:57.


الأحد، 23 أغسطس 2009

صور من مدينتي: سحر الضوء وغفلة الزمن.

ما أحلى الصدف وما أكثر ما تسوق إلينا من مفاجآت طيبة وكنوز ثمينة، تكون حولنا تطوف علينا، ونحن لاهون عنها ساهون عن وجودها، خاصة في هذا الزمن الرقمي الجارف.
كنت أبحث في الموقع العالمي للصور ( فليكر)، فاتفق أن كتبت اسم المدينة التي نشأت بها وهي مدينة تارودانت، حاضرة سوس، وبلد التاريخ العريق والسكينة والهدوء، والحياة الهادئة، فاجأني هذا الموقع العالمي بمجموعة من الصور الطريفة لهذه البلدة، بعضها قديم يعود إلى أوائل القرن العشرين وكثير منها حديث، صور الطبيعة والناس والبنايات والأسواق... غير أن ما استوقفني أكثر هو مجموعة صور للسائحة الأسترالية ويندي تينر (Wendy Tanner) التي زارت المدينة سنة 1975 والتقطت مجموعة من الصور، قامت بعد 33 سنة بنشرها على فليكر.
تصفحت هذه الصور واحدة واحدة...تذكرت المدينة عندما كنت طفلا يدرس في المستوى الابتدائي، رأيت مناظر وشخوصا قد انمحت من ذاكرتي، تذكرت بنايات تغيرت وأحوالا تبدلت، وملابس تغيرت، وهيآت تحولت... كان الأمر رجوعا إلى التاريخ وتذكرا لزمن مضى وانقضى وعدا التحول على كثير
من جوانبه، ولم تبق منه سوى ملامح باهتة وأطلال دارسة تحكي مرارة الأيام ...رأيت سوق جنان الجامع كما كان، ورحبة الزرع حيث تباع الحبوب، وسور المدينة الذي سقطت أجزاؤه ثم رممت بمواد جديدة تخالف ما كان عليه فصار الترميم مسخا، رأيت أزقة المدينة الضيقة وممراتها الصغيرة درست بعد أن سقطت الجدران التي كانت تحوطها، فتوسعت وصارت طرقا متسعة شيئا ما..رأيت مظاهر انقرضت من المدينة أو كادت..رجال بعمائم وجلاليب يمتطون بهائم، وتجارا في السوق متقلدين (الشكارة).. كانت تلك صورة جميلة لبعض مظاهر مدينتي قبل أزيد من 30 سنة...
ولابد هنا أن ننوه بمبادرة هذه السائحة التي أتحفتنا بالصور الناذرة، وقد سبق أن أشرت في إحدى الدراسات التي ستنشر قريبا عن توثيق السياح للتراث المغربي، أننا نعيش مرحلة استعادة التراث عبر الصور الشمسية وشرائط الفيديو التي نراها تعرض على الشبكة العالمية للمعلومات، تنبؤنا عن ماض نسيناه أو تناسيناه وتفضح أمام أعيننا سرعة تغير مجتمعنا، وتبدل أحواله المادية وما يثوي خلفها من قيم وعادات حميدة صارت الآن على أطراف النخيل، فهل سنتنبه لهذا التحول السريع المخيف، أم أننا سننظر إلى هذه الصور وكأنها تحف من التاريخ لا نفع لها إلا ما فيها من طرافة وما تثيره في النفوس من الشجن والشوق...
ختاما ذكرت السائحة الأسترالية أنها التقطت الصور عندما قضت بالمغرب ستة أشهر وعمرها آنذاك 26 سنة،
قضت منها زمنا في تارودانت في ضيافة أسرة الشنكيطي، كما ذكرت أن الذي دفعها إلى نشر هذه الصور بعد مضي هذا الوقت ابنها الذي عاد من سفره الأول خارج البلاد وهو الآن في سن والدته عندما زارت المغرب، فحثها على رقمنة الصور ونشرها.. وهنا يتوقف الكلام ويفسح المجال للضوء والألوان لعلها تكون أكثر تعبيرا ووضوحا..

ربما تكون هذه الحوانيت في ساحة أسراكَ
تجار الحبوب برحية الزرع بسوق جنان الجامع
يائع الخزف في سوق جنان الجامع
تجار البزار
باب تارغونت
باب القصبة
باب القصبة منظر جانبي




زقاق في اتجاه مسجد سيدي وسيدي يمينا والزاوية التجانية يسارا

مسجد فرق الأحباب الباب الغربي
الباب الجنوبي لمسجد فرق الأحباب (وهو محاذ لبقعة بيضاوش إيطا المبنية حديثا)
وبقية الصور في عرض على الرابط التالي بموقع:
*************************
ثم بعد نشر هذه الخاطرة توصلت برسالة جوابية من السائحة الأسترالية ( وهي مدرسة للغة الأنجليزية) نصها:

Hello Esaid
.... I am honoured that you have blogged my photos - I wish I could read Arabic, so I could read your blog !! I am very pleased that you enjoyed to see the photos. I have wonderful memories of Taroudant too.
I am wondering what faculty you work in as a professor. I am also a teacher - I teacher English adult migrants, here in Australia......
I wish you a good month for Ramadan

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

الخط المغربي، أصالة التراث وضرورات التجديد.


مصحف شريف بالخط المغربي من القرن العاشر الهجري
يعد الخط العربي من أكثر مظاهر الفن الإسلامي روعة وبهاء، وأخصبها تنوعا وجمالا، ومن أروع الخطوط العربية الخط المغربي بتفرده وروعته واتساقه ودلالته العميقة على الشخصية الحضارية للمغرب الأقصى ضمن بلاد الإسلام قاطبة..وقد نبغ في المغرب خطاطون كثيرون جودوا الكتابة وتأنقوا في التزويق والزخرفة، ذكر العلامة المرحوم محمد بن عبد الهادي المنوني طائفة كبيرة منهم في كتابه القيم الفريد تاريخ الوراقة المغربية. واحتلت كتاباتهم مكانها اللائق في الأسفار والمراسلات الإدارية وفي المعمار بالمساجد والدور والقصور.
ولست هنا بصدد الحديث عن تاريخ الخط المغربي ولا ذكر أنواعه واختلافاته،ومن أراد ذلك فلينظر مدونة أستاذنا الدكتور محمد المغراوي الأستاذ بجامعة محمد الخامس ورئيس تحرير مجلة دعوة الحق، وإنما القصد إلى الإشارة لأهمية العناية بهذاالخط وتطويره، ونشير هنا إلى إحداث جائزة محمد السادس للخط المغربي وهي مبادرة هامة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، نرجو أن تتسع لتشمل تقعيد هذا الخط بقواعد علمية مضبوطة، وتعمل على إحداث مدارس للخط المغربي في الجهات المغربية الكثيرة تكون الشباب على إتقان الكتابة به وتشجعهم على التجويد والمشاركة في المسابقات الوطنية والدولية، وتعمل على سن قوانين لتشجيع استعماله في المكاتبات الرسمية بالدوائر الإدارية وفي الإشهارات العمومية..وغير ذلك

الخط المغربي في مجال المعمار أصالة وتميز( مدرسة العطارين بفاس) المصدر.

ولا ننسى مجالا آخر تأخر فيه المغاربة كثيرا وهو مجال الخطوط الرقمية، فقد انتبه إخواننا المشارقة منذ سنوات إلى تطوير الخطوط العربية الرقمية لاستخدامها في الحاسوب، ونشأت شركات متخصصة في ذلك، أما عندنا في المغرب فليست هناك بعد أي محاولة لرقمنة الخطوط، وإنما نحن عالة على المشارقة، وأول خط مغربي رقمي ظهر منذ سنوات خط نبع العرب (Arabswell) بنمطيه العادي والغليظ، ( وبتنويعاته التي ظهرت بعده) وتم استخدامهما بكثرة في المغرب، غير أن هذا الخط تنقصه الجودة وفي بعض حروفه تمدد غير جميل، إلا أن تفرده في المجال الرقمي جعل الإقبال عليه متزايدا، على أمل ظهور خط رقمي جديد يقارب أو يوازي جمالية الخطوط المغربية كما رأيناها واستمتعنا بروعتها من يراع الخطاط المغربي محمد المعلمين صاحب الكراسة التعليمية المفيدة، والخطاط محمد قرماد..

جمالية الخط المغربي في المصاحف تطبيق لمبدأ الإحسان في العمل
وقد سبق لي أن تذاكرت مع أحد الخطاطين عن استعمال الحاسوب، فكان موقفه متطرفا من ذلك زاعما أن الحاسوب لا يمكن أن يقوم بما يقوم به الخطاط، وأن الخطوط المستعملة فيه تفتقد الانسيابية والجمالية التي توجد في الخط اليدوي، إلا أنه -وإن كان اهذا لأمر صحيحا - فلا ينبغي أن نعتبر خطوط الحاسوب منافسة للخطاطين، ولا ينبغي أن نغفل هذاالمجال، لأن التاريخ لن يعود إلى الوراء، والناس على أي حال سيستعملون ما يجدون من خطوط جيدة كانت أم رديئة.
وفي الوقت الذي مازلنا فيه نتناقش حول ادخال الخط المغربي إلى الحاسوب، ها هم إخواننا المشارقة يعملون بجد وينوبون عنا في هذا المجال فيصممون الخطوط ويقوم ببرمجتها ثم توظيفها، وها هم يقترحون علينا انتاجاتهم، ومن آخرها خط مسعد المغربي الذي صممه مسعد الحسيني المشرف على منتدى أهل الأثر.
وقد قمت بتنزيل هذا الخط وتجربته فبدا لي جميلا وهو أفضل من خط نبع العرب السابق بكثير، فشكرا لصاحب هذاالخط وبارك الله، نشكره لأنه اهتم بالخط المغربي ثم لأنه مكننا من استخدام الخط مجانا بأن وضعه في منتداه وجعل تنزيله متاحا لكل من أراد من أعضاء ذلك المنتدى..



نموذج لخط مسعد المغربي
(العبارة من مقال جماليات الخط المغربي: تاريخ وفن
على هذا الرابط)

هذا وقد سمعنا مؤخرا أن الخطاط محمد قرماد قام بتصميم خطوط جديدة بالحاسوب للخط المغربي ولكن لم نتمل بعد بنماذج منها، وقد ذكر في الحوار الذي أجري معه بموقع الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، أن الذي دفعه إلى ذلك: " الدفع بعجلة الخط المغربي إلى الأمام، وجعله يتماشى مع زمن العولمة والتكنولوجيا، ومواكبة آليات الطبع الحديثة بمختلف أنواعها، والتعريف بهذا الخط وجعله يقاوم كل هذه التيارات التي تهب عليه من كل جانب. والآثار الإيجابية لهذا الإجراء هي الاجتهاد في وضع قوالب خطية وأنماط وأنواع تشكيلية، تتماشى واللوحة الخطية والتشكيل العربي والمغربي، وجعل الناس يستأنسون بحروفنا وبأبجديتنا المغربية؛ وهي طريقة جديدة تغني خزانتنا وتسهل طريق أمام الباحثين والمتعطشين إلى رؤية هذا الحرف البديع في حلة جديدة ومتناسقة."
ولا شك أن هذه الخطوة مهمة للغاية وتستحق كل تشجيع وتنويه لاسيما أن القائم بها صاحب خبرة وتجربة في الميدان إضافة إلى غيرته وحماسه لخدمة الخط المغربي وتطويره.. فعلى الجهات المعنية الأخذ بيده وتمكينه من وسائل الإبداع مع حفظ حقوقه المعنوية والمادية المرتبطة بإنتاجه هذا."
فحيا الله جهود الغير وقوّاها وبارك فيها، وسددها للخير، والمستقبل بحمد الله مشرق وفي المغرب خبرات مقتدرة وهمم طماحة للمعالي وإنما ينقصها التشجيع ولو بالكلمة.. ونحن نأمل أن يتم تطوير الخط المغربي وتظهر خطوط معبرة عن السمات الجهوية المغربية فنرى الخط الفاسي والطنجي والمراكشي والسوسي والصحراوي والدرعي، وما من شك في أن بعض بوادر هذه التنويعات موجودة في المخطوطات الكثيرو المبثوتة في كل قرية أو مدينة من مدن المغرب، ولا تنتظر سوى اجتهاد الباحثين وجد الخطاطين لتبرز غنى التراث المغربي في مجال الخطوط وأصالته وتميزه.






السبت، 15 أغسطس 2009

المؤلفات الأمازيغية لعبد الحميد الصوفي.

y
نظم فريق البحث في التراث السوسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير ندوة علمية حول العلامة القاضي عبد الحميد الصوفي وأعماله الأدبية والعلمية، في شهر ماي 2007، وقد شاركت في هذه الندوة بعرض حول المؤلفات التي ألفها هذا العالم بالأمازيغية السوسية " تاشلحيت" ودافعه تفقيه أهل بلده في دينهم وفتح باب المعرفة الشرعية أمامه حتى لا يبقوا جامعين بين الأمية والجهل بالدين، ولم يكن عمل القاضي الصوفي بدعة جديدة ابتكرها، وإنما سار على خطى العلماء السابقين الذين ترجموا أمهات الكتب الفقهية إلى الأمازيغية بدءا من الدعاة الأوائل للإسلام بالمغرب، مرورا بالعلماء في عهد المرابطين والموحدين ثم عهد السعديين والعهود الأخيرة، ومن أبرز الكتب المترجمة نذكر مختصر الشيخ خليل الذي ترجمه نظما العلامة محمد بن علي الهوزالي المشهور بأكبيل، وقسم العبادات من مجموع الأمير المصري ترجمه الشيخ علي الإلغي، وكتاب رياض الصالحين ترجمه الفقيه عبد الله بن الشيخ الإلغي... وغيرها من الكتب الفقهية وكتب السيرة والحديث ..التي أسهمت في إكساب السوسيين المتحدثين بالأمازيغية العلم والمعرفة بدينهم وعقيدتهم، حتى كان منهم أميون يحاجون العلماء والفقهاء في بعض النوازل والقضايا وما ذلك إلا لأنهم أكبوا على هذه الكتب حتى حفظوها أو كادوا..
هذا كله ما دفعني إلى العناية بهذه المؤلفات لإبراز تعلق المغاربة على اختلاف ألسنهم بدينهم ومحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشغفهم بالتفقه في الدين والازدياد من معرفته، وهذا الحرص أملى على العلماء وهم رواد أهلهم، أن لا يخذلوهم، فنقلوا المعرفة العلمية الشرعية من العربية لغة القرآن والسنة إلى الأمازيغية لغة الحياة اليومية، نقلا أمينا وفق منهج دقيق وصارم هدفه التعليم والتثقيف ونشر الوعي..
وفيما يلي نص العرض مصورا ولكن بالأمازيغية السوسية فقط وسيكون النص العربي منشورا بحول الله على هذه المدونة في أقرب الآجال، والسلام
الجزء الأول من العرض



الجزء الثاني من العرض:




الجزء الأخير من العرض


من وحي برنامج " لعلما ن تمازيرت " بالأمازيغية السوسية "تاشلحيت"

كنت أبحث هذه الأيام في أرشيف الرسائل فوقعت على رسالة من الأستاذ عبد الله بن الطاهر إمام مسجد الإمام مالك بأكادير، وكان طلب مني تزويده - جزاه الله خيرا - بعنوان بعض الحلقات المنشورة على الشبكة العالمية لبرنامج " لعلما ن تمازيرت" لينشرها على موقعه الخاص المتنوع، الذي يعتني فيه بالتراث المحلي لمنطقة سوس والجانب العلمي منه على وجه الخصوص، فأردت إسعافه ولما كانت هذه التسجيلات قد نشرت بموقع وزارة الأوقاف، وقد صحفت أسماء الأعلام فيها، عملت على تصحيحها وإرسالها إليه، وقد استمعت خلال ذلك كله إلى بعض الحلقات فتذكرت عهدا قريبا كنت فيه أذهب كل يوم اثنين إلى إذاعة أكادير الجهوية لتسجيل الحلقات والقيام بتوضيبها بنفسي، وكان ذلك فرصة لي للتعرف على العمل الإذاعي وكيفيته وطرق التسجيل وأساليب التوضيب وتقنياته بواسطة الحاسوب، ولابد أن أحيي في هذا المقام السيدة الفاضلة والمذيعة المقتدرة مريم الصافي التي كانت آنذاك مديرة لإذاعة أكادير فهي التي رحبت بتقديم البرنامج وأشرفت بنفسها على تسجيل مقدمته، في أحد أيام شهر نونبر عام 2006 قبل أن تنتقل إلى إذاعة فاس، ويكون من أثر ذلك توقف البرنامج وحرمان محبيه من تتبع حلقاته التي نافت على 100 حلقة تم تسجيلها على مدى عامين.. من وحي هذه الذكرى كانت هذه الفكرة، وهذه النماذج المسجلة للحلقات.. (لقراءة بقية المقال أنقر هنــــــــــــــا)

الاثنين، 10 أغسطس 2009

كتاب روضة الأفنان في وفيات الأعيان لمحمد بن أحمد الإكراري ( ت 1358)


صدرت مؤخرا عن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير الطبعة الثانية من كتاب روضة الأفنان لمحمد بن أحمد الإكراري بتحقيق الأستاذ حمدي أنوش رحمه الله ( ت 1997) الأستاذ سابقا بشعبة التاريخ بتصحيح ومراجعة الأستاذ محمد الحاتمي الأستاذ بشعبة اللغة العربية وآدابها، وكنت قبل عشر سنوات قد نشرت مقالا بملحق الفكر الإسلامي لجريدة العلم بمناسبة صدور الطبعة الأولى بإشراف لجنة من الأساتذة، فها هو ذا المقال منشور من جديد مع بعض التعديلات الطفيفة، وهو إن مرت عليه عشر سنوات إلا أنها لم تبليه، فالكتاب هو الكتاب ومضامينه هي هي ودراسته التي قمت بها نظرة موجزة فاحصة عن مؤلفه ومنهجه وموقف المعاصرين منه لا سيما أن المؤلف الإكراري تميز بمنهجه الصارم في الحديث عن المترجمين مصرحا بكل ما يعرف عنهم ... تابع القراءة من هنـــــــــــا
الأستاذ حمدي أنوش الباعمراني رحمه الله محقق كتاب روضة الأفنان
(ت 1997/1417)

الاثنين، 3 أغسطس 2009

السيرة الذاتية للعلامة رضا الله محمد المختار السوسي



صدر مؤخرا عن مطبعة المعارف الجديدة بالرباط كتاب" السيرة الذاتية للعلامة رضا الله محمد المختار السوسي، مجريات أطوار حياته" جمع وتقديم الأستاذ رضا الله عبد الوافي بن المختار السوسي، في 374 صفحة من القطع المتوسط بتقديم الدكتور عبد الهادي التازي عضو أكاديمية المملكة المغربية.

ويتناول الكتاب سيرة العلامة السوسي من خلال نصوص كثيرة مثناترة في كتاباته الكثيرة المطبوعة والمخطوطة، وقد عمل نجله بدأب وصبر على مدى عقود على جمع ما تحصل لدى الأسرة من تراث والده فتتبعه بالجمع والترتيب والإحصاء، وكان ثمرة ذلك صدور دليل شامل لمؤلفات محمد المختار السوسي في عدة طبعات، وهذا ما أهل الأستاذ عبد الوافي لمعرفة مؤلفات والده ومحتوياتها خاصة ما تعلق منها بشخصيته وحياته.

ولذلك عمل بشغف على جمع هذا التراث الضخم والتعريف بوالده سواء بنشر ما أمكنه من كتب أو بعرض الوثائق والنصوص والصور في المعارض والمجلات والصحف.. ولاشك أن هذا الكتاب المحتوي على مئات النصوص المبثوثة في الكتب الكثيرة والمراسلات والمخطوطات تبرز مقدار الجهد الذي بذله الابن البار في التعرف على والده ثم التعريف به انطلاقا مما كتبه هو عن نفسه.

والحق أن العلامة السوسي كان قد سئل مرة كما ذكر في بعض مؤلفاته عن ترجمته وأنه ترجم لآلاف الأعلام ولكنه لم يكتب عن نفسه ما يشفي ويكفي فأجاب رحمه الله أن ترجمته موجودة في أعماله كلها، فهو وإن كتب عن الآخرين إلا أنه في الحقيقة كان يكتب عن نفسه، ولهذه الإشارة الذكية جانبان، أولهما فكري نظري وأساسه أن التراجم والنصوص التي حررها السوسي في كتبه الكثيرة تدل عليه وعلى علمه وفكره وتبين فكرته في الحياة وعقيدته وتصوره لمسار الإنسان وكيف ينبغي أن يكون وللمجتمع وأسسه وللأمة وعلاقاتها.. أما الجانب الثاني، وهو واقعي شخصي وأصله أن السوسي عندما يترجم للأعلام وكثير منهم تربطه بهم علاقات صداقة أو قرابة أو تعارف- يشير إلى وقائع من حياته وما جمعهم به من وقائع وأحداث، فخلال كتابه المعسول بأجزائه العشرين يورد مثلا تاريخ زواجه، ويشير إلى بداية استقراره بفاس أو الرباط أو مراكش، ويبرز اشتغاله بالتدريس والوعظ، وينص على علاقاته بإخوته وأعمامه وأبنائهم وأخواله..إلى غير ذلك.. وقد اعتمد أغلب الباحثين الذين ترجموا للسوسي على النصوص البارزة التي يذكر فيها ترجمته مثل ما ورد في كتاب الإلغيات دون أن يتتبعوا الإشارات الكثيرة المبثوثة في بقية الكتب وهي كثيرة جدا.. مما جعل كتابتهم عنه مختصرة وقاصرة.

ولاشك أن عمل الأستاذ عبد الوافي يأتي ليسد هذه الثغرة في ترجمة هذا العلم المغربي الكبير الذي يعد في عصرنا نموذج العالم المسلم الملتزم بعقيدته والمؤمن بوطنيته والمعتز بتراثه، فكان بذلك رائدا فريدا في عصره، يقدره حق قدره من عرفه في حياته ومن تعرف عليه من خلال مؤلفاته، ومن استمع خلال هذا أو ذاك إلى صوت الحدب والعطف الأبوي أو الأخوي الرقيق من كلامه، لذلك نرى كثيرين ممن عرفوه في حياته يذكرون هذه الخصلة الفريدة من خصاله، يقول الأستاذ عبد الهادي التازي في تقديمه الكتاب:

"وقد كان في صدر ما زادني إيمانا بانفتاحه على محيطه ومواكبته لعصره هذه المذكرات التي كان يتحدث فيها بقلب مفتوح لكي يصل إلى الآخرين، وقد برهن في كتاباته تلك على أنه كاتب قدير يستطيع تطويع القلم لما يريد أن يبلغه لزملائه وأصدقائه ...استمعوا إليه وهو يصف التقاءه بأحبائه ومريديه بعد الإفراج عنه، وكيف يصور للقراء أن فرحة القلب لا تعدلها فرحة، وأن نسبة تلك الفرحة من فرحة الحواس الظاهرة، العين والأذن والسمع واللمس، تفوق كل ضروب الفرح." (ص:8)

إن ما يتميز به العلامة السوسي خلال حديثه عن نفسه - وما أكثره في كتبه التي خصصها للمذكرات والرسائل والرحلات- هو قدرته الفائقة على التعبير عن نفسيته، وتحليل مشاعره ثم بعد ذلك كله البوح والاعتراف، فالعلامة السوسي رجل يعرف نفسه ويدرك مواطن قوته وضعفه، وحينما يتعرض لموقف ثبات أو وضع ارتباك لا يسكت عن الأول ولا يستنكف عن الثاني، وإن كان حديثه عن نفسه محاطا دائما بالتواضع الأصيل والبعد عن الفخر والعجب، وهو ما غر بعض الباحثين فعدوا تواضعه اعترافا بقلة بضاعته وضعف قدراته، فلم ينصفوه ولم يبوئوه المكانة التي يستحقها.

إن هذه السمات التي ذكرناها من القدرة على التعبير عن النفس بدقة وسلاسة عند العلامة السوسي سببها ما تميز به من قوة الشخصية ونفاذ العزيمة وعمق الإيمان، ولا أدل على ذلك أنه جعل مبدأه في الحياة أن لا يفعل في السر ما لا يستطيع أن يدافع عنه في العلانية...بل إن قدرته على إعلان مواقفه هذه تجاوزت مجال العواطف والمشاعر والأحداث الشخصية لتصبح منهجه في الكتابة والتأريخ العام، وتحفل كتبه بمواقف صريحة كثيرة مستندة إلى منهج تاريخي صارم وإلى أدلة وبراهين دامغة، يعلن العلامة السوسي ذلك كله وينشره في كتبه غير عابئ بعد ذلك بالمحتجين والمستنكرين والمطالبين بمراجعة كتبه وإسقاط ما لم يعجبهم منها.

وفي هذا السياق يأتي هذا الكتاب الذي يتحفنا به الأستاذ عبد الوافي ليزيدنا قربا من العلامة السوسي ويمكن الأجيال اللاحقة من التعرف عليه في حياته ويروي ظمأ الفضوليين منهم من الذين سمعوا كثيرا بالعلامة السوسي وقرءوا عنه في المجلات والصحف والتراجم المختصرة، ومن الذين درسوه بعمق من خلال كتبه المطبوعة واشرأبت أعناقهم لمطالعة ما تبقى من مخطوطات بحوزة أسرته، فلهؤلاء وأولئك يخرج هذا المؤلف المستل من 33 جزءا مطبوعا من كتبه و15 مخطوطا و14 وثيقة ما بين مرقونة ومخطوطة، والمصنف في 11 مبحثا خصص كل واحد منها لمرحلة معينة من حياة العلامة السوسي، فمن مولده ومسقط رأسه وذكريات طفولته إلى بداية رحلته العلمية في سوس، ثم دراسته العلوم العربية خارج سوس، فحصيلة دراسته وإجازاته، ثم استقراره بمراكش للتعليم، فمرحلة المنفى الأول بمسقط رأسه دوكادير إيلغ يليها الرجوع إلى الحمراء ثم الهجرة منها إلى الدار البيضاء، ففترة النفي الثانية ثم الرجوع إلى البيضاء وأخيرا الاستقرار بالرباط في الوظيفة الوزارية بالأوقاف ثم بمجلس التاج لتنتهي بحادثة السيارة والوفاة وما تلاها من جنازة وتأبين على مختلف المستويات.

وقد عزز هذا الكتاب بوثائق كثيرة منسوخة أو مصورة تعضد ما ذكر في النصوص المختارة من أحداث و أخبار تدور كلها حول العلامة المختار وتبرزه كما هو في حياته رجلا بسيطا يجول في الأسواق وهو وزير يماسك بائعي الخضر واللحم والبيض، أو مجاهدا قويا ثابت الجنان في مواجهة الفرنسيين وأذنابهم في مراكش أو تافراوت أو منافي تافيلالت.

ولاشك أن هذا الكتاب مع ما فيه من مادة مفيدة وأخبار طريفة وأحداث عجيبة إلا أنه لم يحط ببعض الجوانب التي ما زالت خفية لا يعرفها الكثيرون من شخصية العلامة السوسي، وإنما يعرفها من خالطه ورافقه من طلبته وأصدقائه الذين ما زالوا على قيد الحياة، وهذه الأخبار وإن لم تكن على شرط الكتاب بكونها من السيرة الغيرية- إلا أنها في غاية الأهمية لمعرفة مواقف العلامة السوسي الوطنية والسياسية خاصة عندما تولى مسؤولية الوزارة، ولعلها تجمع في القريب وتنشر لتكتمل الصورة.

وأخيرا فإن هذا الكتاب حلقة من سلسلة أعمال أبناء العلامة السوسي الكرام لطبع تراث والدهم وتمكين المغاربة من الاستفادة منه، منذ قاموا بالخطوات الأولى للطبع والنشر في أواسط العقد التاسع من القرن الماضي إلى يومنا هذا بل هم مستمرون في أعمالهم مبشرين بطبعة جديدة لكتاب الترياق المداوي وبنشرة أولى لكتاب مشيخة الإلغيين من الحواضر، وسعي جاد لإعادة طبع كتاب خلال جزولة ومعتقل الصحراء بجزأيه ومنية المتطلعين.. لذلك لا يسعنا إلا أن نقول مع العلامة المؤرخ الأستاذ عبد الهادي التازي في تقديمه الكتاب مخاطبا جامعه ومقتبس مواده الأستاذ عبد الوافي ومن خلاله إخوانه:

" ومن واجبنا جميعا أن نشد على يديك، بل أن نطالبك في الاستمرار في أبحاثك وتنقيباتك لمساعدتنا على فهم أكثر لمفاتيح شخصية هذا الرجل الجليل القدر، المبجل الهمام... هنيئا لك بهذه المبادرة، والله وحده يتولى جزاءك على ما قدمت لأهلك وذويك وكلنا أهلك وذووك ولا فض فوك." (ص: 9)