بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 مارس 2010

كتاب جديد صدر

إن من نعم  الله تعالى على المغرب اهتمام الأجيال الجديدة بالتراث واحتفاء العلماء والمثقفين بإخراج ذخائره الثمينة من كتب ووثائق ونصوص، وهذه الذخائر تمثل هوية الأمة ومكونات بقائها وخصائصها الحضارية والنفسية، ومدارها كلها حول العقيدة الإسلامية السمحة وحول الدين والشرع الحنيف، فهو الذي يكون الأساس الذي انبثقت منه روح الحياة عند المسلمين، وبرزت قوة الإبداع والخلق، وفطنة الإنتاج والتطوير والتنمية،ولا يمكن للأمة أن تعود إلى سابق مجدها ما لم تتجه النيات لخدمة هذا التراث بوصفه وسيلة للنهضة وطريقة للتفكير وواسطة للإبداع، غير أن هذه العناية لابد أن تكون برؤية روية وتفكير عميق، يتبين الطريق ويستغل الإمكانات. وما من شك أن التراث لا يصلح كله، بل فيه - لأنه نتاج بشري يحتمل الخطأ والصواب بحسب قربه من روح  الوحي أو بعده عنها - ما لا يصلح من مكونات دخيلة وأفكار منحرفة، وفيه كذلك كنوز مشعة ومعادن ثمينة تصلح للبناء والتشييد.
ولذلك كله لابد لنا من العناية بتراثنا المغربي، عن طريق العناية بتراث جهات وطننا، وتنافس الباحثين في كل منطقة في التحقيق والنشر والطبع، ومن حصيلة هذا النشاط سنعرف تراثنا المغربي على حقيقته، وهي حقيقة نعرف والحمد لله عمومها، ولا تنقصنا إلا التفاصيل..
وإن مما يسر البال ويريحه أن نرى الكتب تترى في منطقة سوس، فتصدر كتب حول الأعلام والمدارس.. وكتب مخطوطة اشتهر ذكرها وقل من رآها أو طالعها إلا من الباحثين المتخصصين، فكأنها الهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه، ومن هذه الكتب " الحضيكيون" لأبي زيد عبد الرحمان الجشتيمي ( ت 1269هـ) في التعريف بالشيخ الحضيكي وتلامذته، وهو سفر جليل وعلق ثمين، قل أن تجود به سوس وغير سوس من البوادي والحواضر،قال عنه العلامة محمد المختار السوسي: "ثم جاء عبد الرحمان الجشتيمي بعد الحضيكي، فجمع أصحاب الحضيكي ومعاصريهم جمعا حسنا، وقلمه أعلى من نفس كل السوسيين المؤلفين قبله، لمكانته في الأدب، وقد سميناه ''الحضيكيون'' 
جمع المؤلف في الكتاب أعلام زملائه في الأخذ وحرر أخبارهم وذكر ما وقف عليه من سيرهم وما مهروا فيه من العلوم، وفائدة الكتاب في مجال التاريخ غير خفية، وكذلك في مجال العلم والأدب والسياسة والفكر والتربية..
هذا الكتاب صدر بمجهود حثيث للمجلس العلمي المحلي لمدينة تارودانت حاضرة سوس، بهمة رئيس المجلس أستاذي الدكتور اليزيد الراضي، الذي جمع أعضاء المجلس على تحقيق الكتاب وضبطه وإخراجه في حلة قشيبة تسر العين والقلب، وتشفي غلة الباحث المنتهي والطالب المبتديء، وتيسر الاطلاع على تاريخ المنطقة ورجالاتها وأعمالهم حتى يُتبين كيف كان السلف رحمهم الله همة وفضلا وإيمانا وصلاحا، وكيف ينبغي أن يكون الخلف دراسة وفهما واتباعا، ونظرا في الوحي لمعرفة الحق به وأخذ ما يصلح من ميراث الأجداد وطرح ما لا يصلح، هذا ما يستفاد من هذا الكتاب الذي صدر منذ أيام ضمن منشورات المجلس العلمي المحلي لتارودانت في 184 صفحة من القطع المتوسط بما في ذلك الفهارس، وضم 74 ترجمة، غالبها غير مذكور في أي كتاب آخر.. والله الموفق، والسلام

الاثنين، 8 مارس 2010

كتاب جديد..



لا تفتأ حركة التأليف مستمرة بدون انقطاع، مختلفة الأشكال والأنواع والمضامين، معبرة عن تطلع الإنسان إلى المعرفة، والمزيد من المعرفة لذاته ولغيره وللكون، وإذا استطاع الإنسان أن يعرف كثيرا من أسرار الطبيعة من حوله فبلغ عنان السماء بل تجاوزه، ونزل إلى أعماق الأرض وغاص في أعماق البحار، وتجاوز الأعماق الممكنة فأناب الآت واطلع على الأسرار المخبوءة عن عينيه، فإنه عجر عن إدراك كنه نفسه وأسرار ذاته وخبايا مجتمعه، لأنه عاجز ضعيف عن إدراك تلك الخفايا لا يسعفه عقله مهما تجبر ولا تنصفه حواسه ولو تقوت بالآت والأدوات..
وفي سياق تأمل الذات ومعرفتها اشتغل الناس قديما بدراسة الأعلام وتأمل حياة العظماء لاستشراف أسباب تفوقهم على غيرهم وبروزهم في عصرهم وسطوع شموسهم حين كسفت نجوم غيرهم..ولاشك أن هذا الباب من أجلّ أبواب التأليف لأن منه تؤخذ العبر وتستشف الفوائد، فما انتفع الانسان بأفضل من النظر إلى حياة غيره وما اتعظ بأفضل مما وقع لمثله من بني جنسه، لذلك حفل القرآن الكريم بقصص السابقين من الصالحين او الطالحين، من الأتقياء المهتدين أو الأشقياء الضالين ..
في ظل هذا التصور نعرض اليوم لصدور كتاب جديد من منشورات فريق البحث في التراث السوسي الذي يشتغل في مجال النبش في التراث الجهوي لمنطقة سوس منذ ست عشرة سنة خلت، ذلك هو كتاب الحاج الحبيب البوشواري، هذا العلم العالم المعمر المشهور بجهاده للاستعمار الفرنسي، وصبره على التعليم لمدة تزيد عن السبعين سنة، تخرج عليه فيها أجيال من العلماء والفقهاء جيلا بعد جيل، وقد تميز بميزات كثيرة لعل أبرزها صلاحه ولطفه وسعة أخلاقه وزهده في متاع الدنيا ونصحه الناس وتمسكه بالسنة ونبذه البدعن وحرصه على وحدة المجتمع، وأسلوب اللطيف في الإرشاد والتوجيه، وأفضل من وصفه معاصره العلامة محمد المختار السوسي، حين قال عنه

:" العلامة الجليل، الشيخ البركة النفاعة الصالح المدرس طوال عمره ..فذ غير مشَارك بين الحياء أمثاله في خصال شتى، فقد كان من طبقة كانت تخُبّ وتضع في عمارة مدارس جُزولة .. يستفرغ جهوده في الإكباب على التدريس، لا شغل له ولا همة إلا في ذلك، فلا مال ولا أوراد، ولا تشوف إلا لنفع الطلبة تعليما وإعانة وتهذيبا وتموينا.. إنني انظر إلى فذ قلما يوجد له نظير في أقرانه، وسيكتب عنه تلاميذه النجباء، وسيخلد ذكره منهم الشعراء" ( المعسول17/282)

وبعد، فقد عاش العلامة الحاج الحبيب 118 سنة توفي بعدها سنة 1397/  1977 وها قد مرت أزيد من ثلاثين سنة على وفاته وقد صدّق القدر العلامة السوسي فألف عنه تلاميذه ثلاثة كتب منهتا المطبوع والمرقون والضائع ، وخلد ذكره الشعراء في هذا الكتاب وغيره، وبقي ذكره عذبا تستلذه ألسن الذاكرين وآذان السامعين، رحمه الله تعالى وأسبل عليه المغفرة و الرضوان.

صدر الكتاب ضمن منشورات فريق البحث في التراث السوسي بكلية الآداب بأكادير بدعم من المجلس البلدي لمدينة بويكرى سنة 2009، وستصدر الطبعة الثانية من الكتاب في خضم السنة الجارية بحول الله تعالى وقوته.