بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 4 يونيو 2010

الغارة التي بدأت ...Baskın böyle başladı


حدث بارز شهده هذا الأسبوع، حدث مؤلم ومفجع، حوالي 700 متطوع يمتطون البحر متوجهين إلى غزة لإعلان إدانتهم للنفاق العالمي تجاه سكان غزة هاشم، فماذا كان مصيرهم؟؟ القتل بدم بارد، هكذا صارت قافلة الحرية مجالا لتطبيق تداريب القوات الخاصة الإسرائيلية، وكما قال الشاعر:
أسد علي وفي الحروب نعامة*****ربداء تفر من صفير الصافر
ولكن لماذا هاجم اليهود مرمرة التركية؟؟ ما هو الخطاب الرمزي الموجه إلى العالم؟
الخطاب واضح: كانت قافلة الحرية تضم أزيد من 40 جنسية مختلفة، والهجوم على هذا الجمع العالمي الذي جاء ليفضح نفاق العالم  ويكشف عوار إسرائيل، القصد منه تهديد الجميع، وإرغامهم على الصمت والسكينة والهدوء، ففلسطين وغزة والأقصى شأن داخلي إسرائيلي يهودي خاص لا مجال لأحد ليتكلم فيه بما لا يسر يهود تل أبيب، فحتى أوباما أرغم على السكون وخفض الجناح فكيف يتجرأ هؤلاء الأغرار من شتات الأرض ليحرجوا حكام إسرائيل، لذلك لابد لهم من عقاب، وكذلك كان.
اما بالنسبة لتركيا فكان هناك خطاب آخر، ما هي رمزيته بهذه المناسبة المؤلمة؟؟؟
لا شك أن هذا الحدث تصفية حسابات مع تركيا، فرئيس وزراء تركيا هو الذي وقف ليواجه الثعلب اليهودي العجوز بيريز في منتدى دافوس ويفضح صفاقته ونفاقه وهو يبرر قتل الأطفال والشيوخ في غزة، بحجة محاربة الإرهاب، ومن يستطيع أن يفعل ذلك غير أردوغان الذي يمثل - بفضل الديموقراطية - الشعب التركي بكافة فصائله وأجناسه..
ثم إنه في تركيا تم إخراج  وعرض مسلسل وادي الذئاب الذي يبرز طغيان اليهود في فلسطين، وظلمهم وجبروتهم ونفاق العالم وذله لهم وخوفه منهم، وقد استدعي السفير التركي إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية وعومل بشكل مهين وضيع، فما كان من أردوغان إلا أن أرغى وأزيد وهدد إسرائيل بقطع العلاقات وتوقيف كل أشكال التعامل إن لم يتم الاعتذار خلال 24 ساعة، ومن يستطيع أن يفعل ذلك ، سواه؟ وجاء الجواب عكس ما اعتقد العالم كله، اعتذارا كتابيا من إسرائيل، وتذللا حتى لا تكون في عزلة.
وتركيا هي التي نسقت الاتفاق الثلاثي مع إيران والبرازيل بشأن تخصيب اليورانيوم، وسحبت بذلك البساط من تحت أرجل امريكا وحلفاء امريكا ومن ورائهم دولة العنصرية المقيتة إسرائيل ليقعوا جميعا في حيص بيص، وليشعروا بالحرج خاصة عندنا هددتهم تركيا إن هم صادقوا على العقوبات في مجلس الأمن وتم الضغط على روسيا وإغراؤها بفوائد إن هي انظمت إلى الجوقة..لكن ذلك كله ذهب هباء، وبقي موقف تركيا قويا..
وها هي تركيا تأتي أخيرا لتسوق قافلة ضخمة من عدة سفن كبيرة إلى غزة، لم تكن مثل السفن الصغيرة التي ألفنا مشاهدتها تمخر عباب البحر إلى شواطيء غزة، بل كانت أكبر، وأعظم وأشمل، والمهم من كل ذلك أن السفينة الأولى تحمل العلم التركي..هي سفينة مرمرة: ومرمرة اسم بحر يلتقي عنده جزءا تركيا الأوربي والأسيوي، ولذلك معنى عميق، زد على ذلك أن اسم السفينة وقبلها البحر مشتق من المرمر أحسن أنواع الرخام وأغلاها، إنه الرخام الأبيض الصافي ولذلك كله رمزيته.
هكذا شق المرمر التركي البحر ليصل إلى سجن غزة، ليفضح حقيقة الظلمة المدلهمة التي حطت بكلكلها هناك، وفي كل ذلك إحراج وأي إحراج ليهود إسرائيل، فكان رد الفعل الذي رآه العالم.
ثم إن دور تركيا تصاعد وتقوى، فبينما كان اليهود منشغلين بتطويع جيرانهم ترهيبا وترغيبا خرجت تركيا تبحث عن مكان لها تحت الشمس، مكان مناسب لنفوذها الاستراتيجي المستمد من حركيتها الديموقراطية القوية ومن حيويتها الاقتصادية ومن قوتها العسكرية، ومن بحثها عن مصالحها في وقت تغولت فيه القوى المستبدة للحفاظ على مصالحها، وأخرجت كل أوراقها ولاعبت حلفاءها بأوراقهم، وكانت خلاصة تحركاتها مصالحي أولا، ماذا أستفيد؟؟ نهضت تركيا وصارت قوية وقد أرادها الاتحاد الأوربي متسولا ضعيفا يقف ببابها منتظرا لقمة يسد بها رمقه، فإذا بها تتحول إلى عامل جريء ورجل أعمال ناجح، لم تفتك به مشاكل الأزمة الاقتصادية العالمية، وها هو ذا يمد يده لإعانة عدو الأمس: اليونان التي افتقرت بعد غنى وذلت بعد عز وانصرف عنها رفاق الأمس من الدول الأوربية مستثقلين إعانتها للخروج مما هي فيه .. لقد استرجعت تركيا ثقتها بنفسها واعتمدت على إمكاناتها،وعرفت طريقها في الاقتصاد والسياسة والبحث عن المصالح..
لهذه الأسباب كلها تم الهجوم على قافلة الحرية..لأجل إهانة تركيا وإذلالها، وإعلامها أنها لا ينبغي أن تخرج عن الدور المرسوم لها، لتكون قردا يرقص  وفق ما أراد له مدربه..غير أن ذلك لن يتحقق، فقد حان وقت التغيير ، بل حان وقت التغيير الذي كان الأتراك يريدونه بطيئا سلسا وأراده اليهود في إسرائيل- بدون قصد - سريعا وقويا.
ها هي ذي تركيا تعود مرة أخرى إلى مجالها ونفوذها الاستراتيجي الذي يمتد إلى  غزة هذه المرة، وهو ما لم يشهد له مثيل منذ سقوط الخلافة العثمانية في بداية القرن العشرين، وها هي ذي تضع أمامها تحديا كبيرا إسقاط الحصار عن غزة، لقد توفي 9 شهداء أتراك في هذه القافلة، وهاهم ينقلون إلى مسجد محمد الفاتح - وللمسجد وبانيه رمزيتهما - ليصلي عليهم الأتراك، ثم ينقلون إلى مواطنهم ليدفنوا فيها، لقد تفرقت دماؤهم على تركيا كلها، لا لتذهب هدرا ولكن لتذكر أبناء الأناضول أن هناك حسابا لابد من أدائه لهؤلاء الشهداء، وأن هناك أمانة لابد من صيانتها..هكذا فتح اليهود في إسرائيل واجهة جديدة للصراع.. سيكون لها ما بعدها بحول الله.
صلاة الجنازة على الشهداء الأتراك ( نقلا عن موقع الجزيرة نت)
وأخيرا ماذا نستفيد نحن الذين نجلس في اوطاننا صامتين متفرجين من هذه الحادثة المفجعة؛ هناك خلاصتان اثنتان: أولاهما أن عهدا جديدا قد بدأ، وقد لاحت ملامحه منذ بداية الحصار وتصدي الغير من كل انحاء العالم لكسره والتعاطف مع أبناء غزة المستضعفين المظلومين، عهد تصمت فيه الحكومات وأصحاب القرار وينطلق الأفراد وأبناء المجتمع، ممن يحكمون المباديء والقيم للنظر إلى القضايا والمشكلات، فيصرخون بملء أفواههم للتذكير بالحق والعدل، بل يعملون بما وسعهم القيام به من مبادرات وأعمال لكسر شوكة المعتدي ولو رمزيا.
ثانيتهما، تنبيه جماعة المنافقين الموجودة في كل بلد الثاوية خلف كل غرض، ممن دأبها مغازلة يهود إسرائيل، والسعي وراء التطبيع بكل وسيلة وفكر وأيديولوجيا، وإيقاظ النائمين الغافلين، وبيان وجه اليهود العنصريين القبيح الذين لا يرقبون في إنسان إلا ولا ذمة، وإنما دأبهم الإفساد والظلم في كل محل حلوا به، وتنبيه العالم كله إلى أن إسرائيل داء عضال وسرطان قبيح وورم خبيث لا تمكن معايشته، فإن لم تستأصله قتلك، وإن لم تحرقه وأدك..  
ماذا نقول في الختام؟ Baskın böyle başladı  لقد بدأت الغارة.. انطلقت أحداث لها دلالتها وتأثيرها، وستكون كلها سلسلة في تاريخ طويل من المدافعة، كلما أغلق منه باب فتحت أبواب، ومازالت في جعبة الدهر مفاجآة..إنها انطلاقة لعهد جديد مؤثر متوتر، وستليها أحداث عظام يعلمها خالق الأرض والسماوات ستنتهي بما أخبر به عز وجل في كتابه المعجز وفي حديث رسوله صلى الله عليه وسلم باستئصال هذا الورم الخبيث ومحو آثاره وتثبيرها.. والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.