بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 3 ديسمبر 2012

وظيفة القيم وأهميتها في الواقع المغربي المعاصر ( حوار جريدة الأخبار)

أجرى الحوار الأستاذ العربي أقصبي
يتحدث كثير من الباحثين والمفكرين عن أهمية القيم في العالم الحديث، حتى إنهم جعلوها أساس الهوية ومحور الفكر والثقافة، فكيف ترون تعامل المغاربة مع قيمهم الدينية والوطنية؟
لاشك أن القيم من أهم مقومات الوجود الإنساني، فلابد لكل مجتمع من قيم يؤمن بها فيصدر عنها أبناؤه في أعمالهم وتصرفاتهم، وأخلاقهم وخصالهم، وفي مؤسساتهم المعبرة عن مستوى تحضرهم وحسن تدبير لمجالهم، وليس المقصود هنا بالمؤسسات البنيات الإدارية فقط، ولكن كل البنيات التنظيمية للمجتمع سواء كانت مادية أو معنوية.
ومن ثم فلا وجود للمجتمع الإنساني دون قيم، لأنها الضامن لاستمراره وتآلفه وتجانسه، ولمّا كان المغاربة في غالبهم مسلمين فإن قيمهم مؤسسة على الدين وقيمه السمحة، ذلك أنهم اعتنقوا الإسلام فآمنوا به وأخلصوا لمبادئه وقيمه طائعين غير مكرهين، وما كان لأحد أن يكرههم على شيء لا يريدونه، وقد واجهوا احتلال الأمم الأجنبية قبل الإسلام وقاوموها بكل ما أوتوا من قوة، فهذا الإيمان الذي نجده لدى المغاربة متجليا في عدة مظاهر تعبدية واجتماعية ونفسية وروحية، إيمان عميق جدا، لأنه مؤسس على القيم، أي التشبع بمبادئ الدين تشبعا كليا، والصدور عنها في التطبيقات العملية أي في التصرفات والأعمال والتصورات وفي الثقافة والفكر، لقد ثبت الإسلام في المغرب ثباتا تاما لا تزحزح بعده، وقد اعترف بذلك كبار المنظرين الاستعماريين الفرنسين، بقولهم:
" إن الإسلام العريق في المغرب يماثل شجرة أرز برزت على نحو غير متوقع في الجبل،  منذ أجيال خلت، تتساقط منها، بين عقد وآخر، بعض الأغصان اليابسة، المنفصلة عن جذعها الشامخ إلى السماء في إباء وعزة، غير أن النسغ مازال يصعد من الجذور العميقة، بينما تتطلع البراعم الجديدة إلى نور الشمس، متجاوزة ضباب عصرنا. فلنرصد هذه الشجرة العظيمة، بما تستحقه من تقدير، مبينين الحكمة الخفية التي تُلهم نموها لأزيد من ألف عام، دون أن نظن أن فأس الحطاب يمكن أن تعجل سقوطها بالسهولة التي نزعم."
لقد استقر الاسلام بالمغرب وتجذر وأنتج قيما إنسانية نبيلة، وجد فيها المغاربة ما يأملونه من الحرية والكرامة والحق والعدل والوحدة والاجتماع على الخير، وجعلتهم يتصفون بصفات فاضلة كريمة، هي في نفس الوقت تطبيقات عملية لتلك القيم، فمثلا من أبرز سمات المغاربة - التي تميزهم عن غيرهم- صفة الكرم الفيّاض، وقد شهد بهذا كثيرون من شتى أنحاء العالم، حتى صارت صفة الكرم لازمة للمغرب ولا يذكر المغربي إلا ذكر الكرم، ذلك أننا لا نطمئن ولا تهدأ أنفسنا حتى نمعن في إكرام الضيف بكل ما أمكن من حسن استقبال وبشاشة وفرح وسرور ثم حسن الضيافة بإنزاله في أحسن الغرف وأفضلها فراشا وأثاثا، وإكرامه بأطايب الأطعمة والمشروبات. فهذا كله تطبيق عملي لقيمة الكرم، وهو وإن كان مبدأ واحدا، إلا أن المغاربة تفننوا في تطبيقه حسب طبيعة بيئاتهم وأنماطهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم في كل منطقة في الصحراء والسهل والجبل والساحل والهضبة..
عندما نتحدث عن القيم المغربية نصفها بأنها أصيلة ومتميزة، ودائما ما نذكر الشخصية المغربية، وخصوصيتها الحضارية، فهل يمكن أن نعرف أين تتجلى هذه الخصوصية؟ وهل هي مناقضة للمشترك العقدي والفكري أو حتى للمشترك الإنساني؟
نحن نعتقد أن الحديث عن المغرب وقيمه الدينية والوطنية وتميزه الحضاري، أمر ثابت وحقيقة معروفة، مقررة انطلاقا من التاريخ الممتد للمغرب لقرون متعددة، لا نقصد بالطبع الاقتصار على تاريخ الإسلام للمغرب، لأن الحضارة المغربية، لا تتوقف عند هذا الحد، بل نقصد أيضا تاريخ ما قبل الإسلام، فللمغرب خصوصية تاريخية من حيث كيانه السياسي والوطني، فالمغاربة حاربوا الأمم المتسلطة كالرومان والوندال والبيزانطيين والقوط وغيرهم، فكان لديهم توق دائم للحرية والكرامة ورغبة في تدبير أمورهم بأنفسهم، ولم يقبلوا أن يحجر عليهم أحد، وهذا تجسد في عهد الإسلام، فعندما جاءهم الفتح الإسلامي استقبلوه بما يليق به، وكان المغرب – كما تؤكد كتب التاريخ- أقل البلاد معارضة للفتح ولنشر التوحيد، وإنما كانت المقاومة الشديدة بالمغرب الأوسط، غير أن انحراف الأمويين عن أهداف الدين واتخاذهم المغرب مجالا للإثراء والاستغلال بعيدا عن أسس الإسلام وأحكامه التي جاء أجدادهم مبشرين بها، أعاد المغاربة إلى حمل السلاح ومقاومتهم بشدة، وانتهى الأمر بالمغاربة بإقامة دولتهم في عهد الأدراسة، معبرين عن رغبتهم في إقامة كيانهم الخاص، ومستشعرين في الوقت نفسه ارتباطهم بالإسلام بمبايعة أحد آل بيت النبي r وهو إدريس بن عبد الله رحمه الله المشهور عندنا بإدريس الأول، وقد بقي هذا الارتباط راسخا في الأجيال اللاحقة، حتى العصر الراهن، فالمحافظة على الاستقلال تحت لواء الدين وآل البيت وتعظيمهم، وتعظيم شعائر الله بما فيها كتاب الله وسنة نبيه r وأركان الدين ومظاهره، والعلم الشرعي وما حوله من علوم الدنيا، كل ذلك أصبح أساس المغرب منذ القديم، مما مكن المغاربة من التوحد والتلاؤم على الرغم من اختلاف ألوانهم وألسنهم وأصولهم ومناطقهم، وبفضل ذلك حافظوا على استقلالهم، وتمكنوا من كبح جماح الأعداء الشماليين المخالفين عقيدة ودينا، والمحافظة على الاستقلال في مواجهة المشارقة المؤالفين، فلم يتمكن الشرق من السيطرة على المغرب منذ استقل في  عهد الأمويين المتأخر، وحافظ على استقلاله في عهد الدول القوية منذ العبيدين إلى العثمانيين، وهذه ميزة تاريخية مؤسسة على القوة الحضارية والفكرية والمعرفية.
وقد استمد المغرب هذه القوة من مقوماته الحضارية، ومن انفتاحه على العالم قديما واستفادته بوعي وعلم من الأفكار الرائجة، كما أنه كان راعي الأندلس ردحا من الزمن ومحافظا على وجودها الإسلامي، ثم وريثا لها ولحضارتها عندما أفلت شمسها، وقد كانت الأندلس نفسها، وهي من ثمار المغاربة الذين فتحوها وعمّروها وأحسنوا تدبيرها, فكانت مختبرا حضاريا عجيبا، اجتمعت فيه كل مظاهر الاختلاف الديني والمذهبي والعقدي والفكري والعرقي واللساني، ومع ذلك كانت مجالا لإنتاج الفكر والمعرفة الإنسانية الخالدة، وهذا ما ورثه المغرب والمغاربة، وتجلى في نظرتهم إلى الحياة والكون والوجود نظرة عقلية، توازن بين أمرين:
-       ما جاء به الوحي من أمور قطعية الدلالة أخذوا بها، ومن أمور ظنية الدلالة فسحت لهم مجال الاجتهاد من جهة.
-      ما أعملوا فيه العقل والمنطق والأخذ بالأسباب والسنن الكونية من جهة أخرى، بعيدا عن تغليب العواطف والاكتفاء بدغدغة الوجدان.
ولعل من أبرز الأمثلة لذلك تميز المغاربة في المجال الصوفي بالسلوك الجنيدي السني العملي، فلم يكن متصوفة المغرب فلاسفة منعزلين عن المجتمع معتكفين على شطحاتهم وتخيلاتهم، بل كانوا مندمجين في بيئاتهم، ساعين للإحسان عبر نفع الناس بما أمكنهم من أعمال الخير والبر كخدمة المساكين وبناء الطرق ومخازن المياه والمساجد والاشتغال بالفلاحة والحرف.. هذا الطابع المتميز للتصوف ناشئ عن طبيعة الفكر المغربي العملي، ولعل أكبر انحراف أثر في هذا الفكر هو احتقار العمل اليدوي - في العصور المتأخرة- من جهة والتأثر بالفكر الفرنسي – نتيجة الاستعمار- وهو فكر يغلب عليه الطابع النظري في الدراسة والبحث.
إن هذه السمات التي ذكرناها تشير إلى تميز المغرب من حيث طبيعة فكره العملي، ومن حيث خصائصه الثقافية، فالمغاربة استطاعوا أن يحولوا كل ما يمكن أن يؤدي إلى فرقتهم وتشرذمهم - مثل اختلاف الأصول العرقية قديما واللسانية والإقليمية والثقافية - إلى مقومات للوحدة والتلاؤم والتناغم، وذلك بفضل إلحاحهم على وحدة العقيدة ووحدة المذهب الفقهي ووحدة المنهل الصوفي السني ووحدة التدبير السياسي المبني في جوهره على إمارة المؤمنين بنظام البيعة، بينما نجد دولا وشعوبا أخرى حولت كل ما يمثل وحدتها القوية الملموسة من وحدة الأصل والدين واللغة والثقافة والفكر، إلى سبب للتفرقة والنزاع والصراع وهو ما أصبح يتحول إلى مواجهات دامية تنبئ بمستقبل غير مطمئن لتلك الشعوب.
ولعل كثيرا من الناس يسأل كيف أمكن للمغاربة أن يحققوا هذا الإجماع، وهذه الوحدة، والحاصل أن ذلك لم يتم في لحظة واحدة، أو مرة واحدة، وإنما كان نتيجة لما يمكن أن نسميه "مفاوضات دائمة مستمرة" بين الجماعات المختلفة، اندمج فيها المعاشي بالمجالي والاقتصادي بالفكري والثقافي بالتاريخي، وتم التوصل عبر الاقتناع الحثيث بعدم إمكانية نفي الآخر المختلف ثقافيا، أو إلغائه نهائيا، وضرورة تخلي كل الأطراف عن فكرة أن الاختلاف مولد للخلاف، بل توصل المغاربة إلى أن كل اختلاف هو فرصة للغنى والثراء الثقافي والمعرفي، مما أنتج تلاقح الأفكار، والتخلي عن التمركز حول الذات لصالح التعايش مع الآخر، بناء على المشترك الجامع وهو الإسلام وعقيدة التوحيد ووحدة المجال ووحدة الإمام، وبهذه الطريقة توصل المغاربة عبر العصور إلى التآلف الثقافي الفكري، والاندماج المؤسس على احترام اختلاف الآخر، سواء كان مخالفا عقديا ( بالنسبة للآخر  المقبول مثل  اليهود) أو المخالف ثقافيا، بتقبله كما هو، وتيسير اندماجه في " النحن الاجتماعي"، حسب تعبير علم النفس التكاملي ( أي الكتلة الاجتماعية النفسية المنسجمة) وهكذا تناغم المغاربة على اختلاف أصولهم، وتمازجوا، سواء كانوا من أصول عربية أو أمازيغية أو أندلسية أو إفريقية، والدليل على ذلك أن تاريخ المغرب، لم يشهد أبدا مواجهات أو حروبا على أساس عرقي.
كما لا ننسى أن نذكر أن من خصوصيات المغرب إلى غاية العقود الأخيرة أنه البلد الوحيد المجسد للوحدة الدينية والمذهبية، (وللتلاؤم الوطني مع وجود فئة قليلة من أبنائه يدينون باليهودية) فلو انطلقنا من شرق بلدنا لوجدنا الاختلاف العقدي والمذهبي الواضح في شمال إفريقيا وفي أرض الكنانة وفي بلاد الخليج والشام وما بين النهرين، وتجد في بعض هذه البلاد زقاقا واحدا يتجاور فيه أناس ينتسبون إلى الإسلام  يختلفون في مللهم ومذاهبهم، لا يكاد يوحدهم شيء، سواء من حيث أماكن العبادة وطبيعتها أو أيام الاحتفال بالأعياد أو مظاهر الاحتفالات، فهذه الخاصية المغربية، لم تتحقق صدفة ولكنها منة من الله أولا، ونتيجة جهاد الأجداد، وتضحيتهم من أجل وحدة المغرب الدينية والمذهبية والوطنية.
تحدثتم عن تميز المغاربة المذهبي والعقدي وعن خصوصيتهم الحضارية، ألا ترون أن هذه الخصوصية مهددة الآن في عصر العولمة، وانتشار وسائل الاتصال والإعلام، وانتقال الأفكار؟ وكيف السبيل إلى صيانة هذا التميز؟
نعم إن الوضع في الحاضر ليس هو الحال في الماضي، فقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر - كما يقال – وظهرت مستجدات كثيرة وتطورات، وبرزت تحديات جديدة وخطيرة، تهدد المجتمعات، وتؤثر في تمسكها بقيمها وأفكارها، وانسجامها ووحدتها، فقد انفتح المجال أمام انتقال الأفكار والتصورات بسلاسة وسهولة، بواسطة وسائل الإعلام المتطورة كالقنوات الفضائية، والإعلام الرقمي الشبكي، بل التواصل المباشر والمحادثة الفورية المتاحة في كل حين وآن، والتي تتجاوز عوائق الزمن والمكان والثقافة وحتى اللغة، فصار ذلك كله وسيلة لانتقال أفكار العولمة خاصة الفكر الغربي وقيمه، المتسلحة بالتكنولوجيا، وبقدرات الإيصال وتقنيات التواصل وجماليات الأداء التي تخاطب في الشباب حواسه وغرائزه ومتطلباته المادية، والحال أن من يتأثر بهذه الهجمة الفكرية هي الفئات الهشة عقديا وقيميا، الفئات التي لم تنتقل إليها – لسبب من الأسباب -قيم العقيدة والدين بقوة وثبات، ولم تتشرب التراث وخبرات الأسلاف بعد نخلها بمقاييس العقيدة، لتجعل منها مصفاة لنقد الأفكار المستوردة والمعارف الواردة من الغرب أو الشرق، بهدف قبول ما يصلح ورفض ما لا يصلح. نعم لم يعد بالإمكان رد هذه الهجمة بإغلاق الحدود، وتشديد الرقابة، فهذه أمور تم تجاوزها، وحتى إذا طبقت فلن تأتي بالنتائج المرجوة، والسبيل الوحيد- في نظري - لمواجهة الأمر  هو وضع تصور واضح للنهضة ومشروع متكامل للتنمية يراعي إمكانيات البلد، وخصائصه المعرفية والثقافية، ويوازن بين الانفتاح على العالم، والاعتزاز بالذات، عبر التركيز على دراسة التراث  من أجل نخله وتمييز صالحه من طالحه، فليس كل ما في التراث صالحا، بل فيه أشياء ضارة غير مفيدة. والعناية – في الآن نفسه – بالاستفادة من التراث عبر  إدماجه في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، تعليما وتوعية واستغلالا، بتوجيه المغاربة إلى التعرف على تاريخهم وعظمة حضارتهم، واكتشاف أعلامهم العظام الكبار في جميع المجالات، وفي تدبير شؤون الحكم، وفي العلوم الإسلامية وفي التاريخ والآداب وعلوم اللغة والحساب والفلك والرياضيات والطب والفلسفة والهندسة..



أجرت الحوار جريدة الأخبار العدد 12 الجمعة15 محرم 1434 موافق 30 نونبر2012.




السبت، 22 سبتمبر 2012

الأزمنة العسيرة


قرأت بفضول ومتعة كبيرين كتابا صدر مؤخرا للكاتب رشيد العلوي الحسني بعنوان: "الأزمنة العسيرة" وقد أعجبت بالكتاب أيما إعجاب، وقرأته بتتبع، وذلك لعدة أسباب، هي:
- أن الكتاب يندرج ضمن السيرة، وتندمج فيه السيرة الذاتية للكاتب مع السيرة الغيرية لوالده المربي الفاضل والوطني الغيور مولاي الطيب العلوي رحمه الله المتوفى سنة 1965هـ، لذلك تغلب عليه سمة السرد المزين بقصائد الأشعار والحكايات الطريفة والوقائع المروية لأول مرة عن تاريخ المغرب.
- اندماج وقائع التاريخ الشخصي لبطل هذا الكتاب والتاريخ الوطني المغربي، فتاريخ مولاي الطيب هو تاريخ المغرب هو تاريخ حركة التعليم وتاريخ النضال الحقيقي والمزيف، تاريخ المناضلين المخلصين وتاريخ الانتهازيين..
- تتبع تطور المجتمع المغربي والتركيز على تصوير العسر الذي عاشه المغاربة، والمشاكل العويصة التي مروا منها، بما في ذلك المجاعات والأوبئة والتقتيل الذي تعرضوا له من المستعمرين.. وقد تقاطع ذلك مع التاريخ الشخصي لبطل النص وما لحقه من مصائب ومآس عظيمة.. وهذا كله لا ينبغي أن ينسى ولابد للمغاربة اجمعين أن يذكروا هذا الماضي الذي يبتعد عنا شيئا فشيئا وما جرى فيه حتى يعرفوا نعم الله بدوامها، وأن يعملوا ما امكنهم للحيلولة دون عودة تلك العسرة لا قدر الله.
- تصوير جوانب خفية لرجال مشهورين يذكرهم التاريخ بصفحات كثيرة، غير أن الكتاب إما يزيد صفحاتهم نصوعا وظهورا وغما يعرض لنا جوانب بئيسة من حياتهم حينما جعلوا أنفسهم سجناء أغراضهم ونزواتهم وربما أضر ذلك بالوطن كله..
- تتبع تنقل بطل النص في جهات المغرب تارة مهاجرا للعلم أو المعاش، وتارة مهجرا قسرا بسبب نشاطه النضالي، وهذا التنقل أكسبه الإحساس بتنوع المغرب وغنى ثقافته ولغاته، غير أن ذلك كله لم يمنعه مع التواصل مع الناس أينما حل وارتحل، بسبب أصله الشريف ( وللشرف عند المغاربة شأن) وبسبب قيامه بواجب التفقه والتفقيه في الدين، ثم بسبب غيرته على وطنه وعمله على استقلال البلاد وانقشاع ظلام الاستعمار عنها.
- تصوير الأزمة الشخصية لبطل النص مولاي الطيب ممثلة لأزمة المغاربة في بحثهم عن سبل الإصلاح والحفاظ على الخصوصية والهوية، ويظهر ذلك جليا في حيرة الشريف في طريقة تدريس ولده كاتب النص، فقد أرسله إلى القرويين التي قضى بها شهورا دون أن يستفيد شيئا، ثم ألحقه بالمدرسة الاستعمارية التي كان يكرهها، لأنه لم يجد البديل المامول، ثم اضطر اخيرا إلى سحبه منها بعد أن رأى أن هذا التعليم سيخرب كل جهوده في مكافحة الفكر التغريبي خاصة أن المهدد في تلك اللحظة ولده وفلذة كبده.
- تصوير تدبير بعض الناس لشؤون المغرب المستقل، فتحت شعار قطف ثمار النضال ضد الاستعمار أطلق هؤلاء أيديهم يفعلون ما يشاؤون معتقدين أن ما قاموا به في زمن الاحتلال يمنحهم الحق في التصرف وفق أهوائهم، ولا شك أن ما لحق بطل النص من إيذاء وإبعاد هو صورة مصغرة لما لحق كثيرين من جراء مواقفهم من المتسلطين، فصارت المكائد تحاك والمؤامرات تدبر، وأنتج ذلك إساءات ومضرات وصلت إلى علم الملك المجاهد محمد الخامس وقد ذكر العلامة محمد المختار السوسي أن الملك  رحمه الله كان يتتبع تلك الأحداث ويتأسف ويقول " ألهذا ناضلنا من أجل الاستقلال، ألهذا ضحيناـ حتى نتفرق ونتصارع.."
إن هذه السمات كلها جعلتني سعيدا بقراءة الكتاب وتتبع ما يحويه من وقائع وأحداث جسام، وقد أحسست أن الكتاب قريب مني وأني أعرف أبطاله من خلال ما قرأت من كتب التاريخ والمذكرات ومن خلال ما كان الوالد رحمه الله يحكيه لي عن حياته وحياة والده وعشيرته..
إن الكتاب تاريخ وطن في تاريخ رجل فرد يمثل روح المغربي الحر الأبيّ المعتز بدينه المشبع بتراثه وقيمه الأصيلة العارف بتراثه وتاريخ بلده المحب لملكه وللثوابت الشرعية لبلده.. إنه مثال المغربي الذي يحتاجه الوطن في كل وقت وفي وقتنا بالضبط، الرجل المخلص الغيور المتدين معاملة قبل أن يتدين تعبدا، الراغب في الخير لمجتمعه قبل نفسه وأهله.. ونحن مدينون لهذا الرجل وأمثاله من المجاهدين الصادقين الذين لبوا نداء الوطن وبذلوا دماءهم وأموالهم في سبيله غير عابئين بما لحقهم من أضرار..تقبل الله منهم، كما أننا مدينون لمن مازال حيا منهم يعمل بلا ضجيج ولا من ولا أذى معتقدا أن الجزاء الأوفى عند الله تعالى وليس عند احد من العباد..لهذا أختم بالجواب عن السؤال الذي طرحه الكاتب حينما استغرب إهمال الفقيه العالم الفاضل الأديب مولاي الطيب وإغفال تسمية إحدى المؤسسات التعليمية باسمه، فأشير إلى امرين:
- أن المشمول بعفو الله - بحوله وقوته - وأمثاله من المجاهدين الصادقين ليسوا في حاجة للتكريم لأن الله كرمهم بأن أقامهم في ما يحييهم بعد أن يموت الناس، فهم من جملة الشهداء بكفاحهم وإخلاصهم، والتكريم لا يرجع عليه بالنفع إلا بالدعاء والترحم، وإذا نسي فالله يتولاه، اما الذي يحتاج التكريم فهم الأحياء الذين ينبغي أن يتعظوا بما قضى فيه السابقون حياتهم وبذلوا فيه أوقاتهم حتى لقوا ربهم - إن شاء الله- راضين مرضيين.
- أن أفضل تكريم لهذا الرجل العظيم هو هذا الكتاب الذي عرفنا بأفضاله وأعماله وجهاده، وكيف كان مواطنا صالحا لا يعبد احدا من دون الله ولا يتولى إلا من تولاه الله، ولا يبذل وقته وماله إلا في سبيل المصلحة والنفع العام، ولعل الله تعالى قد اكرمه بأن بلّغ وُلْده ما يحبون وجعلهم خير خلف لخير سلف، وما هذا الكتاب إلا مبرة تذكر وتنشر وتنتشر فيها خياة الرجل وإن نسي او أقصي أو أبعد، فهو حي مذكور غير منكور، وما احوج المغاربة إلى امثال هذه الكتب، ولو أن كثيرين ممن عاشوا هذه المراحل كتبوا عنها وخلدوا لحظاتها لكان لنا تاريخ آخر ونظر آخر إلى كفاح الأجداد ونضالهم، وهذه هي المهمة العظيمة التي يجب أن يتصدى لها من يستطيع، لعل شباب اليوم يطالعون ما كان في الماضي ويستشفون منه ما ينفعهم ويستمدون منه ما ينيرون به السبيل حتى يعرفوا العدو من الصديق والمخلص من الانتهازي وحتى لا تتكرر الأخطاء..ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

ديوان الشيخ الإلغي


صدر منذ أيام كتاب جديد من مؤلفات العلامة المؤرخ الكبير محمد المختار السوسي، وهو ديوان والده الشيخ الإلغي علي بن أحمد الدرقاوي المتوفى سنة 1328هـ، وقد صدر هذا الكتاب النفيس بعناية ابن المؤلف، المكلف بنشر تؤاث والده ومحافظ خزانته، الأستاذ عبد الوافي رضى الله، وقد اعتاد أن يتحفنا فينة بعد فينة بنفائس والده الفكرية التي مازالت لم تطبع بعد، فصدرت كتب متعددة تترى فمن السيرة الذاتية إلى مشيخة الإلغيين من الحضريين إلى الرؤساء السوسيين إلى الجزء 2 من معتقل الصحراء إلى النهضة العلمية في جزولة.. وقد أشرف الناشر على هذه الكتب بحماسه المعهود وتدقيقه وتنقيبه، وها هي آخر نشراته، هذا الديوان النفيس لجده أحد أقطاب التصوف في المغرب وفي الغرب الإسلامي عامة. وقد عُلم ما بين التصوف والشعر من أواصر التلازم، ولم يكن الشيخ الإلغي شاعرا متفرغا للشعر، ولكنه درس بمدارس سوس العتيقة، ففقه العربية وتمكن من علومها وأسلوبها، واطلع على ما ألف طلبتها - أو على الأقل طلبة المهتمة منها بالأدب- أن يطالعوه ويطلعوا عليه من مصادر الأدب والشعر والنثر، ثم دفعه طموحه إلى أن لا يقنع بمرتبة المعرفة اللغوية والأدبية - مهما كانت عميقة - فتعالى إلى الإبداع، ومعاطاة القريض، وكان له شيوخ وأقران ومجاورون يعاطيهم ويعاطونه، كؤوس الشعر مترعة، ويساجلهم ويردون عليه، فكان الشعر يسعفه متى أراد، غير أن اشتغاله بالفقراء والأذكار والزوايا، لم يترك له متسعا من الوقت للإبداع، فلم يعط الشعر كل وقته، فكان إنتاجه منه قليلا، وإن كان نفسه في بعضه عاليا كما ذكر نجله العلامة السوسي، معلقا على بعض أبياته قائلا: "وهذا من الشعر العالي، والدر الغالي، والنفس البعيد المنال، ولكل مقام مقال."  
فهذا الديوان إذن إضافة إلى تراثنا الشعري المغربي، وخطوة مباركة جديدة من خطوات أنجال العلامة السوسي الكرام في نشر تراث والدهم والحرص على إخراجه وتمكين الباحثين والمهتمين من الاطلاع عليه والاستفادة منها، خاصة نجله البار الكريم الأستاذ عبد الوافي رضى الله، الذي يستحق كل تسجيع وتنويه على صبره ودأبه على النظر في المخطوطات والتنقيب فيها، وإخراج النصوص وكتابتها وتنقيحها، والإشراف على الرقن والطبع، حتي يخرج الكتاب في أجمل حلة وأحسن حال، جزاه الله خيرا وبارك جهوده وجهود إخوانه كل في مجاله للتعريف بتراث والدهم الوطني المفضال والعلامة المغربي الغيور، ونحن في انتظار الجديد من هذا التراث الغني لنطالعه ونستشف منه ما يربي الذوق وينفع الفكر ويثري الوجدان ويغذي العواطف بمحبة الأوطان والتشبت بقيم الأمة في زمن نحن في أمس الحاجة فيه إلى الاعتصام بتراثنا والتمعن في خبرات أجدادنا لعلها تقودنا إلى بر الأمان.
لمزيد من المعلومات المرجو الاطلاع على الملف المرفق، انقر على الصورة المصغرة، واطلع على غلاف الديوان، وعلى معلومات الكتاب والفهرس، وجديد العلامة السوسي الموجود تحت الطبع.
ملاحظة: ( يتحفنا الناشر الأستاذ عبد الوافي رضى الله في مقدمة الكتاب بصورة نادرة لوالده وهو في شرخ شبابه بمعية صديقه ورفيقه في النضال الوطني بفاس  أبو الوطنية الأستاذ محمد غازي المكناسي رحم الله الجميع.)

الجمعة، 16 مارس 2012

الصحابة الكرام في التراث السوسي




صدر مؤخرا عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء أعمال الندوة العلمية المنظمة بمدينة طنجة في موضوع هام جدا هو: " الصحابة الكرام في التراث المغربي والأندلسي" وكانت جلسات الندوة قد التأمت يومي 10 و11 فبراير 2010 وقد طبعت في مجلدين ضخمين (1340 صفحة)، وكنت أسهمت في هذا الموضوع ببحث عنوانه: "الصحابة الكرام في التراث السوسي" تجدونه هنا للفائدة.

الأربعاء، 14 مارس 2012

واتسون كينتنير Watson Kintner في المغرب سنة 1951.



نشرت لي مجلة المناهل الصادرة عن وزارة الثقافة المغربية في عددها الأخير 89-90 الصادر يونيو 2011 صص:347-368، هذا المقال، أرجو أن يكون مفيدا....



توثيق التراث الثقافي المغربي في عهد الحماية
أعمال الأمريكي واتسون كينتنير(1890-1979) Watson Kintner
- تقديم وتعريف -

مقدمة:
يعد التراث الثقافي المتمثل في عادات المعيشة وتقاليد الاحتفال وأنماط اللباس والمعمار وطرق التعامل من أبرز مظاهرالثقافة والفكر عند الشعوب ذلك أنها مظاهر مادية لتجلي التراث الفكري والمعرفي، وتطبيق عملي للتصورات والعقائد، وقد لفت هذا التراث الثقافي اهتمام الدارسين الفرنسيين في مرحلة سيطرتهم على المغرب، وعملوا منذ وصول البعثة العلمية الفرنسية إلى مدينة طنجة في بدايات القرن العشرين، على العناية بها، ثم واكب المصورون الفرنسيون ذلك الاهتمام بتوثيق هذا التراث بالتصوير الشمسي بعد أن سجله أسلافهم في القرن التاسع عشر وما قبله بالرسم والتلوين.
غير أن أبرز منجزات هذا العصر هو التصوير السينمائي الذي مكن من تسجيل الصور المتحركة ثم الصوت، فصار من اليسير تسجيل لحظات الحياة وحفظها، وتوثيق مظاهر الفكر والثقافة الاجتماعية في أشرطة تسجيلية، وهو ما استغله الفرنسيون بدوافع مختلفة لعل من أبرزها دعم السياسة الاستعمارية ببراهين دالة على المنجزات الفرنسية في تطويرالمغرب وتأهيل سكانه للدخول لعهد الحضارة، وإبراز المنجز الحضاري الفرنسي مع التركيز على الغريب والعجيب في المجتمع المغربي، وهذا ما يعني أن السينما الفرنسية كانت تنطلق من أيديولوجية استعمارية ترمي إلى تسخير التقنية لتبرير التسلط على الشعوب ومصادرة حقوقها الوطنية.[1]
غير أن المرحلة الاستعمارية لم تشهد سيطرة السينما التوثيقية الفرنسية على المغرب وحدها – وإن كانت الغالبة- بل كان هناك غربيون آخرون حلوا بالمغرب لتصوير مظاهر الاجتماعية والبشرية والبيئية وتسجيلها، وصار من المعتاد أن يحمل السياح آلات التصوير لتوثيق رحلاتهم، وتسجيل مشاهداتهم، وكان بعض هؤلاء من هواة التصوير السينمائي فسجلوا أشرطة كثيرة حملوها معهم إلى بلدانهم تذكارا لزيارتهم للمغرب، وبقيت هذه الوثائق السينمائية بحوزتهم يعيدون مشاهدتها أو يعرضونها على أصدقائهم وأقاربهم في وسط مغلق، ولم تكتشف الأهمية التوثيقية لتلك التسجيلات إلا بعد مرور مدة طويلة جعلتها وثائق أساسية في التأريخ للمجتمعات وخصائصها الاجتماعية والإثنوغرافية، ومن نماذج هذه الانتاجات، أعمال المهندس الأمريكي واتسون كينتنير.
واتسون كينتنير (صورة زودني بها مشكورا الأستاذ colin helb)
1-    من هو واتسون كينتنير:
لا تتوفر معطيات كثيرة حول حياة هذا الرجل بالرغم من قرب عهده، ويشير بعض الدارسين المهتمين بأعماله في التصوير إلى أنه ظاهرة مرت خفية بين الناس دون أن يشعر بها أحد، وهو الآن منسي في موطنه بل بين أبناء عائلته الكبرى. [2]
ولد واتسون كينتنر ببينتون تاون شيب ببنسلفانيا سنة في 22 أبريل 1890م لوالده شارل كينتنير، ونشأ بمقاطعة لانكستر وعاش طفولة مستقرة مع والديه وأخته الكبرى فلوي، وكان تلميذا نابها في تحصيله الدراسي، وحصل سنة 1916 على الباكلوريوس  في الهندسة الكيميائية وعمره 26 سنة، ثم التحق بشركة الإذاعة الأمريكية RCA، واشتغل بها حتى تقاعده سنة 1955. ومن أعظم إنجازات كينتنير كونه ضمن الفريق الرائد الذي طوّر الأنبوب المفرغ من الهواء الذي كان الجزء المهم في صناعة المذياع والتلفاز قبل اختراع الترانزستور.
مكّن هذا الاختراع كينتنير من جمع ثروة طائلة جعلته يعيش بقية حياته في غنى وترف، كما مكنته – ضمن العشرة الأوائل في الولايات المتحدة الأمريكية- من اقتناء كاميرا التصوير السينمائي من نوع كوداك 16 ملم وكانت آنذاك من التقنيات المتطورة في مجال التصوير.
انتقل كينتنير بعد تقاعده سنة 1955 إلى متحف بنسلفانيا متفرغا لهوايته السياحية، وفي العقد الأخير من حياته (1969-1979) كف عن الترحال، وعاش حياة عادية كان خلالها يحضر ندوات في جامعة بنسلفانيا حول التصوير ودوره في دعم الإثنوغرافيا، كما كان يؤطر أحيانا بعض الدورات التكوينية حول التصوير السينمائي.
كان واتسون كينتنير مغرما بالتصوير، وقام على مدى 36 سنة من عمره (1933- 1969) بأسفار عديدة إلى أكثر من 30 بلدا، وعمل خلال تلك الأسفار الكثيرة على توثيق مشاهداته في تلك البلاد بواسطة التصوير السينمائي بدءا من المكسيك التي زارها سنة 1933 ثم زار جواتيمالا ، وگويانا ، والإكوادور ، والمغرب ، وباكستان ، والهند ، واندونيسيا ، ونيجيريا ، وأستراليا وإيران ، اثيوبيا ، والتايلاند وكمبوديا والنيبال واليابان وأفغانستان والنيجر وتشاد وتونس وتركيا والأردن وقبرص وباناما والبيرو وزنجبار والإيكوادور وغويانا البريطانية وغينيا الجديدة .. والعديد من البلدان الأخرى.
تظهر في أعمال كينتنير موهبته العالية في التصوير، وكانت حصيلة أعماله أكثر من 400 بكرة من الأشرطة معظمها ملون. وقد سجل في أعماله مظاهر الحياة اليومية للبلدان التي زارها كما وثق مظاهر العيش والبيئة ، وركز على الثقافات المحلية التقليدية والحرف اليدوية ، والصناعات المنزلية ، والمساكن وأماكن العبادة، كما سجل العادات والتقاليد، واللباس والزينة ، والتقنيات الزراعية والمعدات ، والتجارة المحلية، والممارسات والاحتفالات. [3]
   لم يهتم واتسون كينتنير بتحويل أشرطته إلى مادة وثائقية علمية بل أبقاها لديه كما هي في الأصل، ليستمتع بمشاهدتها وعرضها على أصدقائه، حتى أهداها لمتحف جامعة برينستون ببنسلفانيا الذي قام بجردها سنة 1971، [4] وضل كينتنير من المتعاملين النشيطين مع المتحف التابع لجامعة بنسلفانيا حتى وفاته في نونبر 1979.[5]

2       - أعمال الأمريكي واتسون كينتنير، وصف وتعريف:
خلّف كينتنير أزيد من 400 بكرة من الأشرطة التصويرية هي حصيلة هوايته خلال 36 سنة قضاها في الترحال والسياحة، ودأب فيها على تسجيل مشاهداته بلا كلل ولا ملل، وكانت حصيلة تلك الأعمال، كما يلي:
* 1933- 1939 المكسيك ( 15 بكرة)
* 1947 ، گواتيمالا (7 بكرات)
* 1948 گويانا البريطانية (8 بكرات)
* 1949الإيكوادور ( 10 بكرات)
* 1950 البيرو ( 9 بكرات)
* 1951 المغرب ( 10 بكرات) [6]
* 1952 الموزمبيق ( 10 بكرات)
* 1953 باكستان ( 10 بكرات)
* 1955  إندونيسيا ( 6 بكرات)
* 1955 سيلان – سيريلانكا الحالية( 5 بكرات)
* 1955 الهند ( 6 بكرات)
* 1955 النيبال ( 5 بكرات)
* 1957 التايلاند ( 10 بكرات)
* 1957 اللاوس كمبوديا ( 5 بكرات)
* 1957 استراليا ونيوغينيا ( 16 بكرة)
* 1959 الهند مرة أخرى ( 27 بكرة)
* 1959 نيجيريا ( 5 بكرات)
* 1961 شرق أفريقيا ،الموزمبيق الحالية ( 35 بكرة)
* 1961 جنوب أفريقيا ( 19 بكرة)
* 1963 إيران ( 17 بكرة)
* 1965 اليابان ( 31 بكرة)
* 1965 أفغانستان ( 9 بكرات)
* 1967 النيجر ( 8 بكرات)
* 1967 تشاد ( 3 بكرات)
* 1967 تونس ( 23 بكرة)
* 1967 تركيا (18 بكرة)
* 1969 أثيوبيا ( 35 بكرة)
* 1969 لبنان والأردن ( 12 بكرة)
* 1969 قبرص وإستانبول ( 18 بكرة)
وقد وثق كينتنير الوصلات السينمائية التي التقطها مسجلا باختصار موضوع كل لقطة في سجل ملاحظات كان يحمله معه، قصد منه تقييد ملاحظات شخصية تسعفه في تذكر مكان المقطع أو اللقطة، مما مكننا من معرفة المدن التي قصدها وتواريخ زيارتها، والمجالات التي صور فيها، كما نلاحظ أن كينتنير لم يضع عناوين خاصة للأشرطة التي قام بتصويرها، وإنما اكتفى بنسبتها إلى البلدان التي صورت بها.
وكما ذكرنا آنفا فإن تسجيلات كينتنير الكثيرة بقيت بحوزته بعد تحميضها وربما دون توضيب، ولم يشاهدها إلا القلة القليلة من الناس، ويرجع كولين هيلب (  [7] (collin hilbقلة الاهتمام بها إلى صعوبة إعطاء أهمية ما أو قيمة لشيء حديث لم تكن له قيمة فيما مضى، والتصوير كله من المستجدات الحديثة آنذاك، لذلك بقيت تلك الأشرطة دون اهتمام.[8]

ولم تعرف هذه الأشرطة على نطاق واسع إلا بعد إعادة تسجيلها بإشراف متحف جامعة بنسلفانيا، ونشرها في فبراير الماضي على الشبكة العالمية للمعلومات مادة مفتوحة المصدر (open source) باتفاق مع الموقع العالمي للتوثيق أرشيف (Archive.org) [9] حيث أنشئت صفحة خاصة بمتحف علم الآثار والأنثروبولوجيا University of Pennsylvania Museum of Archaeology and Anthropology Films ليستضيف بعض مقتنيات المتحف السمعية البصرية، خاصة شرائط كينتنير مسجلة بصيغ مختلفة (Ogg Video ,mpeg2,mpeg4,) مع إتاحة تنزيلها ونسخها أو مشاهدتها مباشرة على الموقع نفسه. [10] وقد لقيت هذه الأشرطة اهتماما كبيرا في البلدان التي زارها كينتنير[11] وفي معاهد الدراسات والمؤسسات الجامعية، وتجري الآن أبحاث كثيرة حول هذه الذخيرة الإثنوغرافية الثرية في مناطق مختلفة من العالم. [12]
3- تسجيلات واتسون كينتنير بالمغرب:
حل واتسون بالمغرب أواخر شهر يونيو سنة 1951 ولبث به أزيد من 18 يوما حيث بدأ التصوير في اليوم 24 منه (موافق 19 رمضان 1370هـ) وانتهى يوم 11 يوليوز(موافق 6شوال) [13] وخلال هذه المدة تجول في الرباط والدار البيضاء والجديدة ومراكش ودمنات وورزازات وفاس ومكناس وزرهون وإفران وأزرو، وكانت حصيلة زياراته تعبئة بكرة واحدة لكل زيارة، أي ما مجموعه 10 بكرات وذلك وفق المعطيات التالية: [14]

ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى جهلنا – لحد الآن – كل  شيئ عن حيثيات حلول واتسون بالمغرب، فهو لم يكن يعرف سوى لغته الأنجليزية، فهل كان يستعين خلال تنقله بمرافق يسهل مهامه في التصوير؟ وهل كان حصوله على ترخيص التصوير أمر ميسرا؟ أم هل فرضت عليه شروط معينة لذلك؟ أم أنه كان حرا في تصوير ما يشاء؟ هذه أسئلة كثيرة لا نملك لها جوابا طالما أن أرشيف كينتنير الشخصي لم يفتح بعد أو لم توجد به معلومات ووثائق تشير إلى الإجراءات الإدارية التي اتخذها للتصوير بالمغرب.
4- السمات الفنية:
تميزت أشرطة كينتنير بأنها أشرطة ملونة صامتة، اعتمد في تصويرها على تقنية الكاميرا المحمولة الأداة المثالية للاستطلاع المباشر الذي يطمح لعرض الواقع كما هو دون تدخل، حتى أن المشاهد لا يكاد يشعر بوجود الكاميرا، وهي التقنية التي تطورت بازدهار التلفاز والاهتمام المتزايد بالأخبار والمتابعات والاستطلاعات الإعلامية.. غير أن هذه التقنية وإن كانت ممتازة في متابعة المشاهد ومرونة التسجيل وإمكانية التصوير من زوايا متنوعة، فإن لها جانبا سلبيا يتمثل في الإطار المتذبذب الذي يعطي انطباعا بالحركية وانعدام الاستقرار مما يزعج المتفرج.
لم يحضر كينتنير – فيما يبدو- أي خطاطة أو سيناريو للتصوير، وإنما ترك الصدفة تقتنص، فكان يتجول في الشوارع والطرق والأسواق، ويقوم بالتقاط تسجيلات للمشاهد التي تثير انتباهه، لقد كان في هذا كله سينمائيا هاويا، تملص من صعوبات الأشرطة الوثائقية المتمثلة في التعليق- فمن المسلمات في هذا المجال أن الصورة لا تكفي للفهم – والتعليق من جهته يحتاج إلى تحضير وإعداد واختيار لكيفية الربط المنطقي المتسلسل بين المقاطع، كل هذا لم يكن مطروحا بالنسبة لكينتنير لأن أشرطته كلها كانت دون صوت. ولعل لذلك جانبا إيجابيا يتمثل في ترك المتفرج يشاهد الأشرطة ويحاول فهمها بناء على تنظيمها الداخلي، بدل شغله بالتعليقات التي ترمي عادة إلى تجاوز القصور في الصورة.[15]  دون أن نغفل أن انعدام الصوت حرم المشاهد من الأصوات الطبيعية للمناظر المصورة.
هكذا نكون عندما نشاهد أشرطة كينتنير أمام إطار للصورة يغيب عنه الصوت ليتركنا نتأمل ونستجلي المشاهد المتحركة وهي تمثل وجهة نظر المصور الذي عمل على تقديم الواقع كما هو لكنه مع ذلك يقدم لنا خياراته، وما رآه جديرا بالتصوير، ثم إن من الحقائق الثابتة في مجال العلوم الإنسانية – وهو ما يميزها عن العلوم البحثة - أن الملاحظ هو جزء من الواقع المُلاحظ،[16] ففي خلال يوم أو يومين يقدم لنا 14 إلى 18 دقيقة فقط، تمثل مختاراته التي اصطفاها من مشاهداته البصرية خلال تجواله بالمدن المغربية المزورة.. وهذا الاختيار هو الذي يشكل مجال التصرف والإخراج عند المصور الاستطلاعي، فلا شك أنه ترك تصوير بعض المناظر عمدا أو انصرف عن تسجيل ما هو مألوف لديه في حياته اليومية بأمريكا، أو منع من تصوير مشاهد أخرى لسبب ما أو فاتته بعض اللقطات لسبب أو آخر.


إن كينتنير كان يسجل المشاهد التي رأى فيها غرابة أو تميزا عن المألوف الأمريكي في العقد السادس من القرن الماضي، فهو كان ينظر بفكره وعقله قبل أن يبصر بعينيه، [17] كان يسجل مظاهر مجتمع غريب عنه، مجتمع متميز بعاداته الخاصة وطرق عيشه وأساليب حياته التي تمثل القديم والتقليدي (بالمغرب) في مقابل الحديث والعصري (بأمريكا) البلد الذي جاء منه كينتنير. كما نلاحظ أن تسجيلاته اهتمت بظاهر الأشياء دون أن تحاول الغوص في كنهها وأصلها، فهو مثلا لم يختر شخصية أساسية ليتتبعها ويحاول استجلاء عادات المجتمع أفراده من خلالها، ويوثق طرق عيشهم اليومية ويتابع أنشطتهم ليوم أو بعض يوم، كما اعتاد منتجو الأشرطة الإثنوغرافية فعله. بل ما تقدمه أشرطته هو مشاهدات سائح عابر ينظر من بعيد ليشاهد العالم الغريب من حوله، صحيح أنه لم يكن هناك حاجز مادي بين كينتنير وبين المجتمعات التي قام بتصويرها، ولكن كان هناك حاجز فكري وثقافي ومنهجي مرتبط بطريقة استخدام الكاميرا الصامتة، ولذلك نقول أن هذه الآلة بين يدي كينتنير لم تكن سوى عينه الثانية التي أبصر بها لا ليتعمق في الإدراك وليسائل ويستكشف أعماق الأشياء الظاهرية، وإنما ليسجل ويتذكر فيما بعد. فبقيت تسجيلاته مهتمة بالظاهر بالعلامات الرمزية البارزة، ولاشك أننا إذا نظرنا إلى ثقافته وفكره وخلفيته الفلسفية سنعرف أن التصورات التي صدر عنها وعبرت عنها تسجيلاته لم تسعفه لمزيد من النظر والتحليل والاعتبار، إضافة إلى أن الزيارة الأولى العابرة لا تمكن من الفهم، بل لابد من المعاشرة والمساكنة الطويلة الأمد، فهي التي تمكن الزائر القادم من ثقافة مخالفة من تأمل المجتمع الغريب الذي جاء لزيارته وفهم علاقاته وعاداته وتقاليده ثم إعادة تركيبها بناء على معرفة الخلفية الفكرية والعقدية التي أسس عليها ذلك المجتمع مفاهيم حياته الخاصة.
 إضافة إلى ذلك فإن غياب الصوت يترك السلطة الكاملة للصورة وللملاحظة البصرية المهتمة بالثقافة المادية، فيتم الاهتمام بالحياة اليومية والصناعات والأعمال المعاشية من فلاحة وتجارة .. دون البحث عما وراء هذه المظاهر المادية من ثقافة معنوية وفكر وتراث وعقيدة دينية.
أما حقل التصوير(plan) فهو في الغالب حقل عميق لا تظهر فيه الوجوه والملامح بشكل واضح إلا في أحيان قليلة حينما يعرض كينتنير لقطات مقربة لملامح رجال ونساء يظهر من خلال التصوير أنه استوقفهم وطلب تصويرهم حتى تكون صورهم نموذجا للأجناس البشرية التي تسكن المغرب بملامحها وألبستها، وربما دفع مقابل ذلك مبالغ مالية لأنه ما من شيء يرغم المصوَّرين على الوقوف للتصوير إلا الإجبار أو المال.
ويظهر أن سبب غلبة الحقل العميق على أشرطة كينتنير انزعاج الناس من اللقطات المقربة، ولذلك عدة أسباب:
-    الموقف المبدئي للنخبة المغربية العالمة من الغرب الأوربي ومخترعاته التقنية، وهو موقف مؤسس على العداوة التاريخية للغرب النصراني ومبادئه الدينية وتحفظ من كل ما يأتي منه من أدوات وآلات انطلاقا من سياسة الاحتراز المغربية منذ القرن الثامن عشر للميلاد، وقد برزت في أواسط القرن 14 هـ / بداية القرن 20م مؤلفات كثيرة تعالج هذا الموقف [18] كما صدرت فتاو عن بعض العلماء تحرم التصوير الشمسي قياسا على تحريم الإسلام التماثيل، يقول الأستاذ محمد المنوني:  "لم يشتغل المغرب الإسلامي بالتصوير إلا قليلا، شأنه في ذلك شأن المسلمين العرب في هذا الصدد، تأثرا بموقف الدين بالنسبة لعدد من أنواع التصوير. وقد كان هذا من أسباب إهمال أكثر المصادر التاريخية لتسجيل هذه الظاهرة، حتى لا يكاد يعثر على نماذج من أخبارها إلا عرضا وعفوا وفي حالات قليلة." [19]
-    نتج عن موقف العلماء وتحرزهم من الأجنبي "الكافر" ثم المستعمر شعور الناس بالحرج من تصوير الأوربيين النصارى لهم، وهو ما يعتبرونه تدخلا في شؤونهم الخاصة، خاصة أن الأمر سيؤول إلى عرض صورهم في البلاد الأصلية للمصورين، وربما قر ذلك في الأذهان نتيجة كون الفرنسيين المستعمرين هم السباقين إلى استعمال التصوير بالمغرب، ولمّا كان المغاربة يعادون الاستعمار ويشعرون بحساسية مفرطة من كل تصرفاته فقد كانت موقفهم من التصوير حازما، ونقف في الأشرطة على لقطات تصوير توقفت وانقطعت بسبب ما يظهر أنه اعتراض من المارة أو الحرفيين أو التجار أو غيرهم، كما نشاهد مرارا أناسا يسترون وجوههم أو يولون ظهورهم للكاميرا أو يفرون من أمامها، وقد عانى كينتنير من هذه المواقف ولم يتمكن مثلا من تصوير الحلاقين بساحة جامع الفنا بمراكش أومحترفي غسل الزرابي والأفرشة في الدار البيضاء ومراكش بالرغم من محاولاته العديدة، فقد كانوا يولونه ظهورهم أو يستثرون بالثياب أو يعمدون إلى الفرار من الكاميرا وحاملها.[20]
-    ظن عامة الناس أن تصويرهم يدر الأرباح الطائلة على المصورين الذين ينجزون الأشرطة ليبيعوها لدور العرض، دون أن يحصل المصوَّرون على أدنى تعويض، لذلك كان من العادي ملاحظة طلب الفئات التي تعاشر السياح – مثل حاملي القرب ومحترفي حلق الفرجة..وغيرهم- مبالغ مالية منهم لقاء تصويرهم، ونلاحظ في أشرطة بعض اللقطات المشابهة مثل تصوير الگراب.. والمغنين بجامع الفنا..
اما لقطات التصوير فمتنوعة لدى كنتنير، وتتمثل فيما يلي:
-    اللقطة الجامدة المركزة على موضوع معين إما المارة في الشارع أو المتسوقين أو أشكال الزخرفة أو المعمار أو الثياب والأثاث..، فالكاميرا عند كينتنير لا تتحرك يمنة أو يسرة أو تتقدم أماما أو خلفا أو تقدم نظرة بانورامية، وإنما تظل جامدة ممثلة المشاهدة البصرية لكينتنير وما رآه جديرا بالتسجيل.
-    اللقطة المتحركة: وهي قليلة في هذه الأشرطة ويبدو أن كينتنير لا يلجأ إليها إلا مضطرا عند متابعة هدف متحرك يريد التدقيق في شكله أو مظهره، وغالبا ما يكون ذلك الهدف أحد المارة الراجلين أو الراكبين على البهائم او الدراجات.. في الشارع أو السوق، ويتم تحريك الكاميرا يمينا أو شمالا حسب اتجاه المار.
-    اللقطة المقربة وتأتي بعد تصوير مشهد ما يظهر منظرا بعيدا لا تستطيع عين كينتنير إدراك مغزاه أو شكله أو ما يقوم به الناس في نشاط معين، فيعمد إلى الاقتراب لالتقاط مناظر قريبة واضحة تسجل التفاصيل، وتمكن من الفهم، فهم الشكل أو العمل.


ولا ننسى أن نشير إلى بعض الصعوبات التقنية التي عانى منها كينتنير في تصوير أشرطته منها، اعتماده على تقنية الكاميرا المحمولة مما جعل الصورة غير ثابتة، وغلبة العتمة على اللقطات المصورة في الأماكن القليلة الإضاءة مثل البناءات الأثرية أو الأسواق المغطات، فتصبح الصورة عبارة عن ظلمة طاغية تظهر منها بصعوبة شخوص الناس من المارة المتسوقين والتجار وأشكال الأشياء الموجودة في البيئة التي تحرك فيها كينتنير.
5-    المغرب في أعمال واتسون كينتنير:
يرى أحد المهتمين أن قيمة أعمال كينتنير تتمثل في قيامه في مرحلة مبكرة بالتجول في مناطق بعيدة عن اهتمام الإثنوغرافيين والأنتربولوجيين الأمريكيين واكتشافه العالم البعيد عن الولايات المتحدة الأمريكية وتوثيقه قبل انتشار وسائل الإعلام ومتابعتها الكثيفة لكل ما يجري في العالم وفي البلاد الأخرى وكشفها عن غرائب القارات وعجائبها، لقد اكتشف كينتنير بواسطة أشرطته تلك البقاع وسجل مجريات حياة سكانها المحليين قبل أن يستطيع الناس مشاهدتها على الأشرطة الوثائقية التي سجلها باحثون وعلماء ، ويكفي أن نقدم نموذج تيموتي إيش Timothy Asch خريج المعاهد العليا للأنثروبولوجيا [21] وهو صاحب الفضل في نشر ثقافة السينما الإثنوغرافية في أمريكا باعتبارها أساس الدراسات الأنثربولوجية الجامعية، كما استطاع أن يجعل من هذا الشكل السينمائي نوعا خاصا متميزا.
بدأ إيش التصوير سنة 1963 في الوقت الذي كان فيه كينتنير – المهندس الكيميائي - على وشك الانتهاء من إنجاز مجموعته، كما أن إيش أنجز 32 شريطا بدء من سنة 1963 وحتى سنة 1992 أي 29 سنة بينما استغرق كينتنير 36 سنة وشملت أعماله مجالا أوسع وأكثر اختلافا وتنوعا.
وإذا تتبعنا هذه الأشرطة سنجد أن كينتنير ركز على مجموعة من الموضوعات، تمثل مشاهداته خلال تجواله في المدن المغربية التي زارها، أو على الأقل المناظر التي ارتضى تصويرها، لأنها في نظره ذات أهمية أو ميزة تستحق التسجيل.
ومن الموضوعات التي ركز عليها، نذكر:
-    المعمار: خص كينتنير في أشرطته المغربية العمارة باهتمامه، فصور المنازل والدور والقصور والأسواق والدكاكين ومحلات العمل الحرفي، كما اهتم بالمآثر والقصور والمساجد وصوامعها، والأزقة والقناطر والأسوار وأبوابها، وكان خلال تصويره يتأمل أساليب البناء وطرق الزخرفة والتنميق في الجدران والزليج والزجاج، وأساليب النقش على الخشب أو الجبص، وكان يهتم بتسجيل لقطات مقربة لهذه الأشكال المعمارية لما تمثله في نظره من فرادة وتميز، فقد كان يتأمل بالكاميرا الزخارف والنقوش وأشكال البناء مبرزا ما فيها من جمالية وتناسق.. مما يدل على إنبهاره بها وإعجابه بتشكيلاتها اللونية والشكلية. ولا يغفل كينتنير كذلك عن تمثيل المعمار للثقافة والمستوى المادي والتفاوت الاجتماعي بين الميسورين والمحرومين، فقد صور القصور والدور الفخمة في المدن الكبيرة كما صور المنازل الطينية والأكواخ بل وحتى الكهوف في المناطق الجبلية النائية، واعتنى أيضا بإبراز التنوع المعماري خاصة بظهور أشكال العمارة الغربية بالمدن الكبرى .
-    الحرف والصنائع: رحل كينتنير لزيارة المغرب في وقت كان فيه الولايات المتحدة الأمريكية قد قطعت شوطا عظيما في مجال التصنيع والمكننة وانتشار الآلات المتطورة في شتى مجالات الحياة، وعندما حل بالمغرب وجده بلدا معتمدا في تدبير أمور الحياة على الوسائل التقليدية الممثلة في الحرف والصناعات التقليدية المستندة إلى العمل اليدوي، وقد لفتت هذه الصناعات نظر كينتنير، فتتبعها في أشرطته فسجل ما يتعلق بكثير من الحرف المنتشرة بالمغرب آنذاك كالنسيج والخرازة وصناعة القصب والخياطة والحلاقة وصناعة الآنية الفخارية والمعدنية..وغيرها من الحرف الكثيرة، وقد اهتم بطرق اشتغال الحرفيين وتعاملهم مع المواد الأولية لتشكيلها لتصبح سلعة جاهزة للاستعمال، كما لفت انتباهه طرق استعمال بعض الوسائل التقنية البسيطة الموجودة بالمغرب مثل نواعير المياه التي تدار بالبهائم كالبغال والجمال، وتدل طريقة تصويره أنه كان يسعى لفهم كيفية اشتغال الناعورة، فقام بتصويرها من عدة زوايا مركزا مثلا على محورها ودورانه لينقل المياه من النهر إلى مستوى أعلى أو من البئر إلى جداول السقي.
-    الملابس: تعد أشكال اللباس من الأمور التي اهتم بها كينتنير في أشرطته التوثيقية المتعلقة بالمغرب، فقد أغرم بتتبع أنواع اللباس الموجودة بمختلف المدن التي زارها، فكان يتجول في الشوراع ليسجل هذا التنوع سواء كان الأمر يتعلق بألبسة النساء أو الرجال، فقد صور مشاهد كثيرة لنساء منقبات مشتملات بألبستهن الأصيلة من الحايك أو الجلباب ولفتيات صغيرات يرفلن في أكسية منوعة الأشكال والألوان، ولا ننسى أن كينتنير سجل دخول اللباس الأوربي النسوي إلى المغرب حيث كانت ترتديه نساء المعمرين الفرنسيين خاصة بالدار البيضاء والرباط. كما سجل تنوع لباس الرجال بين الجلابيب والسلاهيم والسراويل البلدية والأقمصة من ناحية والسراويل والبدلات الأوربية التي بدأت تنتشر بالمغرب في تلك المرحلة. واهتم كذلك بألبسة اليهود رجالا ونساء، سواء كانوا مارة في الشوارع والأزقة أو حرفيين مشتغلين في المحلات والأسواق.[22]
-    العادات والتقاليد: لم يتسن لكينتنير – حسبما يبدو من أشرطته – أن يخالط المغاربة في حياتهم الاجتماعية ويداخلهم ليوثق عاداتهم وتقاليدهم، فكان سائحا أجنبيا ينظر إلى المجتمع من الخارج دون أن يستطيع النفاد إلى دواخله الرمزية، فلم يوثق من الممارسات الاجتماعية سوى مظاهر قليلة، لأن الفرصة لم تسنح له للاتصال بالناس ومخالطتهم، وهكذا نلاحظ أنه لم يسجل مظاهر اجتماعية كثيرة تمثل العادات وإنما اقتصر منها على ما صادفه مثل بعض الحفلات الاجتماعية التي يستعصي تحديد طبيعتها، ما خلا الاحتفال بعيد الفطر والذي شاهد كينتنير بعض مظاهره عند زيارته لمدينة إفران والمتمثلة في خروج النائب السلطاني برفقة حاشيته في موكب حافل لصلاة العيد وما رافق ذلك من مظاهر مخزنية، وقد استغل كينتنير فرصة انصراف المصلين لصلاتهم ليتجول بين الخيول ويوثق مظاهر عناية المغاربة بفن الفروسية من خلال عنايتهم بالسرج الأنيقة المنوعة الألوان والأشكال والتي يتم تجهيز الخيول بها في امثال هذه المناسبات الخاصة.[23]
-    وسائل النقل: من الوسائل التي استرعت انتباه كينتنير، وخصها بنصيب وافر من عنايته، التنوع في وسائل التنقل البشري او نقل السلع والبضائع وسائر الممتلكات، وكان أحيانا يقف على جوانب الطرقات أو في المحطات والشوارع ليشاهد وسائل النقل الموجودة بالمغرب سواء التقليدية من بهائم كالحمر والبغال والخيل والجمال، أوعربات مجرورة أو الدراجات الهوائية والنارية أو السيارات والحافلات، وكان يتأمل وسائل النقل والمواد المنقولة، ومن المناظر التي تجسد فضوله تصويره مشاهد لنقل أكياس على سطح حافلة نقل بمدينة الدار البيضاء، وتتبعه النسوة اللائي يحملن أطفالهن على ظهورهن أو أمتعتهن وأغراضهن على رؤوسهن.
ولاشك أن أشرطة كينتنير تستدعي وقفة أكثر طولا ودقة وعمقا، لما تمثله من تخليد كثير من مظاهر حياة مغرب ما قبل الاستقلال، وهي مظاهر لم يهتم بها الاعلام الدعائي الاستعماري بل سعى لستر كثير منها لما تمثله من كشف للواقع الاجتماعي المغرب آنذاك، بما فيه من مظاهر التخلف والبؤس. كما تظهر قيمتها الفعلية في الدراسات التاريخية والإثنوغرافية والأنثربولوجية، حين تمكن من تجسيد ماض قريب إلا أنه مجهول، فهذه الأشرطة تمكننا من الوقوف على مقدار التحول الاجتماعي والمادي الذي لحق المغرب خلال سنوات الاستقلال، كما تبرز التأثر الشديد بالنمط الأوربي في الحياة والعادات والتقاليد، و تبرز اختفاء كثير من الممارسات والحرف والصنائع والعادات والتقاليد العتيقة.




6-                قيمة أعمال كينتنير:
لا نعرف نية كينتنير ولا قصده من تسجيل هذه الأشرطة، غبر أننا نظن أنه وثقها لتكون سجلا لذكرياته وليعيد مشاهدتها ويعرضها على أصدقائه المقربين، فهي لذلك تدخل في نطاق أشرطة الهواة الخاصة التي ترمي إلى حفظ الذكريات واستعراضها في مرحلة لاحقة والاستمتاع باسترجاعها، ولعل هدف كينتنير – الذي كان من المصورين الهواة الأوائل بأمريكا – كان الحفاظ على ذكرياته في البلاد التي زارها في سياحاته الطويلة والمتعددة، وممارسة هوايته في التصوير والاستمتاع بإنجاز أشرطة تسجيلية للبلاد الغريبة التي رحل إليها، وربما غلب جانب الشغف بالتصوير على مسألة الذكريات فنحن لا نجد لقطة واحدة لكينتنير في الـ 400 بكرة التي احتفظ بها، فلم يكن  إذن قصده توثيق وجوده هو في تلك البلاد بقدر ما كان تسجيل مشاهداته فيها.[24]
هكذا تصنف أعمال كينتنير ضمن السينما الهاوية التي تتأسس على محبة التصوير والاستمتاع باستعمال الكاميرا، في وقت كان امتلاك آلة تصوير شخصية - في ذلك العهد المبكر-  أمرا نادرا جدا، إذ في الوقت الذي كانت حيازة آلة تصوير عادية ميزة وترفا، كان كنتنير يملك كاميرا كوداك احترافية ضمن العشرة الأوائل في الولايات المتحدة الأمريكية كلها، مما جعله  يدخل مجالا جديدا هو مجال التصوير بما يستلزم من دربة ومران على استعمال تقنيات التصوير، وطرق تحريك الكاميرا واستعمالها، واختيار الأشرطة الخام وكيفية تحميضها للحصول على نتيجة أفضل والبحث عن المختبرات الأفضل للقيام بكل ذلك؟


كل هذه الخطوات فرضت على كينتنير اكتساب مهارات جديدة، هي تقنيات الصورة والسينما التي تحدد التسجيلات السليمة – بناء على أسس سينما الهواة – بأنها تصور على مهل دون اهتزاز وتعد التسجيلات السيئة تلك المتسمة بالاضطراب وغلبة الصورة البانورامية السريعة. [25]
أما من ناحية المضامين فإن كينتنير سار على نهج المصورين الهواة في التركيز - غالبا – على موضوعات ترتبط بالنموذج المثالي، مثل الطبيعة البكر والمناظر الخلابة، بهدف إعادة تشكيل الفضاء في صورته الأولية، ليقترب في جماليته من البطاقة البريدية، والاهتمام في الأسفار بتصوير الغريب والبدائي والمثير في المناطق والبلدان المزورة.[26]
غير أن قيمة أشرطة كينتنير تكمن في ما تحمله من مضامين وتوثيقها مظاهر الحياة اليومية في المغرب قبل أزيد من 50 سنة، مما يفسخ المجال لتحليل ماضينا الثقافي والاجتماعي وقياس مدى التحول في المظاهر المادية وما تدل عليه من قيم فكرية ومعرفية.
خاتمة:
بقي أخيرا أن نتساءل: لماذا أبقى كينتنير أشرطته محفوظة لديه ولم يعمل على توضيبها وإعدادها  لتكون أشريطة وثائقية للعرض العام؟ لا نعرف الجواب بالطبع، ويبدو أنه كان يقوم بتصوير هذه الأشرطة لمتعته الخاصة، ولمتعة أصدقائه الذين عرضت عليه في بيته، لقد كان كينتنير مصورا جعل من التصوير هوايته الثانية بعد السياحة، فكانت أشرطته قيد حياته معدة لتروج في دائرة مغلقة، مثل جميع أفلام الهواة، بل إن كينتنير ضيق تلك الدائرة كثيرا، فأفلام الهواة تنتج لتروج في محيط الهواة أنفسهم في انديتهم وجمعياتهم ولتقدم في مهرجانات لتشاهدها لجان التحكيم، [27] بينما اقتصر كينتنير في عرض أفلامه على محيطه القريب، فكان يشاهدها هو نفسه ويدعو أصدقاءه لمشاهدتها، ولم تخرج إلى العلن إلا بعد وفاته لتتم مشاهدتها على نطاق عالمي واسع، ويهتم بها الفضوليون والمتخصصون كل بأشرطة بلده.
ومن ناحية اخرى تمثل أشرطة كينتنير نموذجا جديدا لمادة اثنوغرافية وأنثربولوجية قام سياح غربيون بتسجيلها لأغراض توثيقية شخصية، غير أنها سرعان ما أصبحت ذات قيمة علمية نفيسة تفسح المجال  أمام المثقفين والمهتمين في بلاد العالم الثالث – على وجه الخصوص- لدراسة مجتماعاتهم من خلالها، مما يعني استرداد أجزاء مهمة من تراثهم الفكري وذاكرتهم الثقافية، خاصة في المجال السينمائي الاثنوغرافي.
وهذا الاسترداد يتجاوز العوائق المادية والبشرية والسياسة التي كانت تحول دون الاستفادة من تلكم المواد الاثنوغرافية في مواطنها الأصلية، بفضل انتشار الشبكة العالمية للمعلومات ويسر التواصل والاتصال بواسطتها وسهولة تبادل الملفات وإتاحة المحتويات عن طريقها باعتماد نظام المصادر المفتوحة في مراكز التوثيق وفي الجامعات والمتاحف الغربية على الخصوص، فصارت العوائق تضمحل لنتمكن من الوقوف على كنوز ثمينة من النصوص والصور والتسجيلات الصوتية والسينمائية والتلفزيونية لتاريخ مجتمعاتنا وبلداننا، مما يفتح آفاق جديدة للبحث التاريخي والاجتماعي، ويبدو أن هذه الثورة التقنية والثقافية العلمية التي ما زالت في بداياتها ستحمل كثيرا من المفاجآت وعددا هائلا من المكتشفات الجديدة ستساعد الشعوب على إعادة اكتشاف هويتها بالنظر إلى ماضيها القريب نظرة جديدة وتحليله وفهمه والاستفادة منه.[28]

 أ.د . المهدي بن محمد السعيدي،جامعة ابن زهر أكادير المملكة المغربية.
ملحق الأشرطة للمشاهدة المباشرة (موقع أرشيف):
الشريط الأول:
الشريط الثاني:
الشريط الثالث:
الشريط الرابع:
الشريط الخامس:
الشريط السادس:
الشريط السابع:
* الشريط الثامن:
* الشريط التاسع: 
الشريط العاشر:
هوامش:

[1] - LE CINEMA COLONIAL: HISTOIRE DU CINEMA AU MAROC, Jaidi, Moulay Driss,  Rabat: ed Almajal 2001.
[2] - عاش واتسون وحيدا ولم يخلف ورثة من صلبه يهتمون بتراثه من بعده، فجهلته عائلته الكبرى كما خفي خبره عن كثير من المتخصصين من أبناء بلده، ومن أمثلة جهل الأمريكيين المعنيين به رسالة إلكترونية بعث بها إليّ ألكسندر ماغون (Alexander B. Magoun Ph.D)المشرف على موقع ومكتبة دافيد سارنوف مدير شركة الإذاعة الأمريكية سابقا، يجيب فيها عن طلبي بعض المعلومات عن كينتنير بتاريخ 28 ماي 2009 بقوله أنه لا يعرف أي صلة لكينتنير بهذه الشركة؟؟
[3] - أنظر مدونة الباحث المريكي كولين هيلب:
 http://colinhelb.com/projects/of-dust-and-vinegar-watson-kintners-travelogue-films
:والصفحة الخاصة في التعريف به التي أنجزها كولين هيلب مؤخرا، وتتضمن معلومات قيمة للغاية هنا 
http://colinhelb.com/wiki/doku.php?id=watson#text_from_old_watson_kintner_page 
[4] - التقرير السنوي لمتحف جامعة بنسلفانيا، على الوصلة التالية:
http://209.85.129.132/custom?q=cache:xOJKS6FyIEYJ:www.museum.upenn.edu/new/about/annual_report07.pdf+watson+kintner&cd=1&hl=ar&ct=clnk
[5] - http://penn.museum/documents/publications/expedition/PDFs/18-2/Staff.pdf
[6] - ورد في دفتر ملاحظات كنتنير اسم المغرب الفرنسي Moroccan French.
[7] - باحث أمريكي من معهد إليزابيت تاون متخصص في النقد السينمائي ودراسات التواصل ووسائل الإعلام، تراجع سيرته العلمية في مدونته على الوصلة التالية: http://colinhelb.com/cv/ وقد أمدني مشكورا بمعلومات قيمة عن واتسون كينتنير.
[8] - Of Dust and Vinegar: Watson Kintner’s travelogue films,collin hilb in:
http://colinhelb.com/projects/of-dust-and-vinegar-watson-kintners-travelogue-films/
[9] - موقع أرشيف: مجال مجاني غير ربحي افتتح سنة 1996 ومقره بمدينة سان فرانسيسكو، وهدفه بناء مكتبة شبكية – بالتعاون مع المنظمات والجمعيات والمؤسسات والشركات المهتمة - تتيح للباحثين والجامعيين  والمؤرخين الوصول إلى المجموعات الوثائقية  التاريخية المحفوظة رقميا، ويضم الموقع معطيات نصية وصوتية وصورا متحركة وبرمجيات حاسوبية بلغ حجمها الآن ازيد من 100 تيرا بايت ( 100000 جيغا بايت) من المعطيات المنوعة، ضمنها أزيد من 600 مادة حول المغرب، انظر الصفحة التالية:
http://www.archive.org/about/about.php
[10] - توجد جميع تسجيلات كينتنير على صفحة متحف جامعة بنسلفانيا  بموقع أرشيف على العنوان التالي:
http://www.archive.org/details/UPMAA_films
[11] - تكفي الإشارة لبيان الاهتمام الشديد بهذه الأشرطة أن البحث عن اسم واتسون كينتنير - الذي كان قبل فبراير 2009 ( تاريخ نشر الأشرطة ) نكرة – في محرك البحث گوگل مثلا يعطي 19500 نتيجة مقترحة، (تاريخ البحث: 1 نونبر2010، وتم البحث بخيار التحديد، أي البحث عن الاسم واللقب معا واستثناء جميع من يحملون لقب كينتنير.)
[12] - بدأت تسجيلات كينتنير تظهر في مواقع ومدونات كثيرة أنظر مثلا مدونة  الآثار القرطاجنية على الوصلة التالية: http://www.carthaginois.com/taxonomy/term/13
كما نشير إلى أن  الباحث المريكي كولين هيلب من معهد إليزابيت تاون يعمل على إعداد شريط وثائقي عن كينتنير وأعماله السينمائية حسبما أخبرني في رسالة إلكترونية بتاريخ:30 ماي 2009.
[13] -  توجد كل هذه التسجيلات جاهزا للتنزيل أوللعرض المباشر على موقع أرشيف، على الوصلة التالية:http://www.archive.org، ويمكن الوصول إلى جميع الأشرطة بالبحث في الموقع باستعمال كلمتي " French Morocco"
[14] - http://www.archive.org/iathreads/post-view.php?id=169684.
[15] - Manière et Mtière du cénima antrhopologique, Jean – paul collyen, cahier d'etudes Africaines, 177-1990,p:101.
[16] - La méthode comparative dans les sciences de l'homme, Guy Jucquois,p:48 Peeters Publishers,1989
[17] - Manière et Mtière du cénima antrhopologique, Jean – paul collyen, cahier d'etudes Africaines, 177-1990,p:101.
[18] - أورد الأستاذ محمد المنوني طائفة من هذه المؤلفات في كتابه المصادرالعربية لتاريخ المغرب
[19] - التصوير بالمغرب الإسلامي في القديم"، دعوة الحق، ع. 1-2، يناير 1971، ص. 83.
[20] - وردت هذه اللقطات في الشريطين الأول والثاني، وهناك لقطات مماثلة في كل الأشرطة.
[21] - أنظر حوله:
Timothy Asch and Ethnographic Film, E. Douglas Lewis, Routledge, Kentucky 2004.
[22] - كما في الشريط الأول الذي تضمن مناظر لبعض اليهود المارين في أحد الشوارع ولآخرين خرازين في أحد الأسواق.
[23] - الشريط الثامن المتضمن زيارة مدينتي إفران وأزرو.
[24] - La question  de l'amateur dans trois espaces de réalisation et de diffusion, Roger Odin    Communications, Année  1999 ,Volume  68, Numéro  68, p: 61.
[25] - ibid.
[26] - ibid, p:62-63.
[27]  - ibid: 67.
[28] - Qui suis-je?- Les films des ethnologues au service des populations étudiées. Rosa Rut Thorisdottir,in:www.comite-film-ethno.net/colloque-2006/pdf/constructions-identitaires/rosa-rut-thorisdottir.pdf