بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 أغسطس 2014

الأحاديث الوعظية الشلحية للعلامة محمد المختار السوسي



موضوعات الاحاديث.
1- توجيهات دينية عامة. (15:30 د)


لو تكلمت رمال الشاطئ.



لو تكلمت رمال الشاطئ لقالت:
" إن الذريعة التي تتذرعون بها أيها البشر لارتياد الشاطئ هي الابتراد من حرارة الصيف وتزويد الجسم بطاقة الشمس، والذريعة غير المقصد الحقيقي، وإلا لكان لكم في أنابيب بيوتكم وفي سطوحها وساحتها كفاية من الابتراد والاستحمام، ولقالت: إن المقصد الحقيقي أيها البشر هو انقيادكم لإرضاء الرغبات البشرية الكامنة في نفوسكم، وتسللكم من وراء الابتراد والاستحمام إلى التحلل من القيود وتخطي الحواجز، وقد علمتكم تجاربكم أن لا بقاء لكم إلا في ظل حماية القوانين والشرائع والأخلاق ففرضتموها على أنفسكم مرغمين، ولكنكم ما تزالون تحنون إلى فوضاكم الحيوانية القديمة فاتخذتم لها الشاطئ مكانا والمصيف زمانا؛ كي تتدرعوا بحرارة هذا وبلل ذلك للرجوع بإنسانيتكم القهقرى يوم كان الإنسان لا يستر إلا ما تسترونه اليوم في الشاطئ."
ولقالت:
"إنكم أيها البشر في الصيف لا تختلفون عنكم في ليالي البراقع ببعض بلاد أمريكا الجنوبية حيث يستر الإنسان وجهه ليتذرع عن طريق التسلي والتلهي لهتك ما حرمه في شرائعه وأخلاقه إرضاء لحيوانيته العريقة المتأصلة."
ولقالت: " إنكم أيها البشر في الشاطئ بين شخصين: شخص جاء يعرض ما حبته به الطبيعة من قوة وفتوة، وشخص جاء لاختلاس ذلك ولو بالنظر، وكلا الشخصين مغرور بنفسه مطمئن إلى أنه شيء، وإن لم يكن بشيء أمام ما يكتنفه هناك من قوة الطبيعة، فهو حتى في ضخام سفنه (دود على عود).
ولقالت:
" إن الزمان أطول دائما من أعماركم أيها البشر، وأنضر من شبابكم وأقوى من فتوتكم، فلا تباهوا عظمته بنقصكم، وإذا فقتم أبناء عمومتكم الحيوانات، فإنما فقتموها بأرواحكم اللطيفة لا بأجسامكم الكثيفة، فهلا أقمتم في الشاطئ معرض أرواح لا معرض أشباح؟"
ولقالت:
"عودوا أيها البشر إلى الاحتماء بشرائعكم وأخلاقكم وصونوا أجسامكم بسمو أرواحكم، واعلموا أن المغلوب من غالب الطبيعة، فقد كنت وأنا الذرات المدوسة تحت أقدامكم صخورا صلبة عاتية أتحدى الأمواج المتلاحقة آلاف السنين، فإذا زحفت إلي صاخبة مزمجرة كالرعد أو الصاعقة وجدتني آخذ عليها الطريق، فتتكسر عند أقدامي، فتذوب، ولكنها استطاعت بفضل مثابرتها –وهي المائعة اللينة- أن تفتتني في النهاية إلى هذه الذرات التي تدوسونها بأقدامكم وتثقلونها بجرائمكم وأجرامكم أأجسادكم أشد صلابة أم الصخور؟"
ذلك ما كنا قد نسمعه لو تكلمت رمال الشاطئ. 
الكاتب المغربي محمد بن عبد الله الروداني كوثر (ت1992م) 
المعسول 14 /235- 236