بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

بيدبا واليائس

(انطباعات عن توالي أحداث الانتحار في المغرب والعالم وإعلان عدد حالات الانتحار سنويا مؤخرا)

قال اليائس من حياته: لا أستطيع الاستمرار،  لا أستطيع..  أريد التخلص من هذه التعاسة.
قال بيدبا: وماذا ستفعل؟
قال اليائس: سأنهي الأمر سأقتل نفسي.
بيدبا : وهل التخلص من التعاسة يكون بالانتحار؟
قال: وماذا تنتظر مني؟ أن أستمر في هذه الحياة بلا معنى ولا طعم.؟
بيدبا : لن تكون سوى أحد 800000 من الناس ينتحرون في العالم كل سنة، ولكن تستطيع أن تغير الأمر،  لماذا لا تحيي نفسك؟  بدلا من أن تقتلها؟ تخيل هذا العدد الهائل من الناس لو عاشوا وتطوعوا في أعمال خيرية، كيف سيغيرون العالم؟
اليائس: كل ما تقوله مجرد هراء لا يمكن أن أقتنع به، البقاء على قيد الحياة مجرد عذاب، وأنت لم تجرب معاناتي لتحكم عليها.
بيدبا : كل الناس يتعذبون، والفرق أنك لا تريد الصبر، 8 ملايير من الناس يتحملون أعباء الحياة و800 ألف يختارون الهرب منها.
اليائس: فلسفة فارغة لا تهمني،  وثرثرة أنا في غنى عوها.
بيدبا: ما قلته لك هو الحقيقة، أنت الآن ميت الفكر والعقل والإحساس، وهذا حال كل اليائسين الذين تموت أرواحهم قبل موت أجسادهم بمدة طويلة، وكثير منهم لا ينتظر سوى اللحظة الأخيرة للموت الجسدي وإلا فأرواحهم ميتة مقبورة في نعش حي متحرك هو الجسد.
اليائس: كل ما تقوله فلسفة فارغة لا تهمني وقلبي يعتصره الألم، كيف تدعي أنني ميت وأنا أمامك أعاني وأتألم؟
بيدبا : إن الموت ليس موت الجسد وخمود حركته، بل موت العقل والروح.. فأنت الآن ميت لأنك لا تفكر ولا تبحث عن أفق جديد، بل إنك وصلت إلى نفق مسدود ووضعت روحك في عبوة مغلقة مظلمة،  لذلك أدعوك لأن تحيي نفسك؟  ألم تفكر في ابنتك الصغيرة وزوجتك؟
اليائس: لا تذكرهما لقد فكرت فيهما، ووجدت أن غيابي سيريحهما.
بيدبا :  بل سيعذبهما، ألم تفكر في ابنتك؟ ماذا ستقول عنك عندما تكبر. لا أظن إلا أنها ستحتقرك وتحتقر جبنك، فكرة واحدة ستقتنع بها أبد الدهر لقد كان والدها جبانا رعديدا، وعوض أن يواجه الحياة مواجهة الرجال اختار الجبان الهرب والفرار من المواجهة، في الوقت الذي سيشعر أقرانها بالامتنان لآبائهم، ستشعر ابنتك بالخزي والعار أيها الأب الجبان.
اليائس: أنا لست جبانا ولا رعديدا!  أنت تخرف وتهرف أيها العجوز،  لو كنت جبانا لما أقبلت على الموت الذي يهابه كل الناس بل كل الأحياء، بل أنا شجاع نعم شجاع في مواجهة الموت.
بيدبا : إذن أرني شجاعتك أيها الأب الذي يريد التخلي عن ابنته ويتركها وحيدة،  ألم تفكر أنها ستحتاج إليك؟ ماذا لو جاعت؟ ماذا لو افتقرت؟ ماذا لو مرضت؟ ماذا لو تعرضت للتحرش أو الاغتصاب؟ ماذا لو احتاجت والدها ليحضر حفل تخرجها وكانت متفوقة؟ ماذا لو تمنت حضور والدها في زفافها؟
اليائس صامتا ثم يجهش بالبكاء: ابنتي الحبيبة سامحيني، هذا كله من أجلك.
بيدبا : لا بل من أجل الأب الجبان الذي لا يريد أن يتحمل المسؤولية، وهذا ما يجعلني أشك في حبك لابنتك، بل أشك أصلا في كونك تعرف معنى الحب.
اليائس غاضبا وعيناه تقدح شررا: إلا هذا يا عجوز السوء،  لا أسمح لك أن تقول عني هذا.. وإلا قتلتك.
بيدبا ساخرا: لا آبه بتهديدك، الميت لا يقتل، ولكن أتحداك أن تبرهن لي على محبتك لابنتك.. أتحداك أن تبين لي مقدار هذا الحب،  أين رجولتك.. أين مشاعر الأبوة..
اليائس: إقدامي الآن على الانتحار أكبر دليل سأضحي بنفسي من أجلها،  هل هناك أعظم من التضحية بالنفس من أجل الآخرين، وعلى كل حال لقد حسمت الأمر وكل ما أفكر فيه هو طريقة التنفيذ، ولن توقفني أيها العجوز بخرافاتك.
بيدبا : ليس هناك أعظم من التضحية من أجل الآخرين، نعم ولكن تضحية بناءة وليست هدامة، وما يجعل قلبي متحسرا ويعتصره الألم هو صدمة ابنتك وهي تعرف حقيقة والدها المسكين تندما تكبر. لا شك أنها ستقدر تضحيتك من أجلها!  ههه يا لها من تضحية!!  فكر لو كنت مكانها، ماذا سيكون شعورك.
اليائس صامتا مشدوها.
بيدبا : لننه الأمر لدي طريقة ممتازة لتضحي من أجل ابنتك.. أقصد لتنتحر..
اليائس: ما هي،  قل أرحني بسرعة..
بيدبا : ولكنها مؤلمة بل شديدة الإيلام،
اليائس: ما هي لا يهمني أسرع..
بيدبا : أفظع طريقة هي أن تتحمل الألم، وتواجه الحياة وتؤجل انتحارك، وتعد نفسك لتخدم ابنتك، لا تفكر في أي شيء سواها، سعادتها،  سرورها، وفر لها كل ما ستحتاجه، اعمل ليل نهار، حتى تكبر ابنتك وتحقق ما تريد، أنهك نفسك، اشتغل بلا توقف، هذه هي التضحية، هذا هو الحب، أما الانتحار فهو سبيل الجبناء الرعاديد،
يرتفع عويل اليائس وهو يصرخ: ابنتي الحبيبة لا أستطيع أن أخذلك، سامحيني.. سامحيني..
بيدبا: عد أيها المسكين إلى زوجتك عد إلى ابنتك ورشدك عد إلى قلبك وإيمانك، عد إلى ربك.. وابك على نفسك، بل إنس نفسك لا تفكر سوى في أسرتك إحمها إعمل لأجلها، ضح من أجلها، قم بواجبك، لن تغير العالم بموتك، وإلا فأنت مغرور مجنون ولكن يمكنك أن تغيره بحياتك.. إحى من أجل ابنتك وسترى كم ستسعد هي وأمها بتضحيتك، بل ستسعد أنت بذاك،  وستعرف أن حياتك أفضل لهن من موتك، وحياتك ليست ملكا لك لتقرر بقاءها أو إنهاءها..
بيدبا: ماذا قلت أيها المسكين هل تملك قوة مواجهة الحياة كما تدعي أنك قوي في مواجة الموت؟
الذي كان يائسا: لقد كنت دائما قويا أيها الفيلسوف في حياتي وقد فتحت لي الآن نافذة من النور، وقد قبلت التحدي وسترى كيف سأستمر قويا حتى أقوم بواجبي،  وآنذاك سأفكر في مصيري.. لقد قلت خرافات كثيرة، ولكن تأكد أنني أحب أسرتي، وسترى ذلك نعم، سأقتل نفسي عملا وصبرا وتضحية.. سترى أيها الفيلسوف العجوز..
بيدبا: الآن خرجت روحك من نعشها المتحرك، الآن بدأت تحيي نفسك.. الآن بدأت تتخلص من براثين جبنك.. وتكتسب شجاعة مواجهة الحياة.
كتبها: المهدي بن محمد السعيدي
عفا الله عنه.