إن من نعم الله تعالى على المغرب اهتمام الأجيال الجديدة بالتراث واحتفاء العلماء والمثقفين بإخراج ذخائره الثمينة من كتب ووثائق ونصوص، وهذه الذخائر تمثل هوية الأمة ومكونات بقائها وخصائصها الحضارية والنفسية، ومدارها كلها حول العقيدة الإسلامية السمحة وحول الدين والشرع الحنيف، فهو الذي يكون الأساس الذي انبثقت منه روح الحياة عند المسلمين، وبرزت قوة الإبداع والخلق، وفطنة الإنتاج والتطوير والتنمية،ولا يمكن للأمة أن تعود إلى سابق مجدها ما لم تتجه النيات لخدمة هذا التراث بوصفه وسيلة للنهضة وطريقة للتفكير وواسطة للإبداع، غير أن هذه العناية لابد أن تكون برؤية روية وتفكير عميق، يتبين الطريق ويستغل الإمكانات. وما من شك أن التراث لا يصلح كله، بل فيه - لأنه نتاج بشري يحتمل الخطأ والصواب بحسب قربه من روح الوحي أو بعده عنها - ما لا يصلح من مكونات دخيلة وأفكار منحرفة، وفيه كذلك كنوز مشعة ومعادن ثمينة تصلح للبناء والتشييد.
ولذلك كله لابد لنا من العناية بتراثنا المغربي، عن طريق العناية بتراث جهات وطننا، وتنافس الباحثين في كل منطقة في التحقيق والنشر والطبع، ومن حصيلة هذا النشاط سنعرف تراثنا المغربي على حقيقته، وهي حقيقة نعرف والحمد لله عمومها، ولا تنقصنا إلا التفاصيل..
وإن مما يسر البال ويريحه أن نرى الكتب تترى في منطقة سوس، فتصدر كتب حول الأعلام والمدارس.. وكتب مخطوطة اشتهر ذكرها وقل من رآها أو طالعها إلا من الباحثين المتخصصين، فكأنها الهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه، ومن هذه الكتب " الحضيكيون" لأبي زيد عبد الرحمان الجشتيمي ( ت 1269هـ) في التعريف بالشيخ الحضيكي وتلامذته، وهو سفر جليل وعلق ثمين، قل أن تجود به سوس وغير سوس من البوادي والحواضر،قال عنه العلامة محمد المختار السوسي: "ثم جاء عبد الرحمان الجشتيمي بعد الحضيكي، فجمع أصحاب الحضيكي ومعاصريهم جمعا حسنا، وقلمه أعلى من نفس كل السوسيين المؤلفين قبله، لمكانته في الأدب، وقد سميناه ''الحضيكيون''
جمع المؤلف في الكتاب أعلام زملائه في الأخذ وحرر أخبارهم وذكر ما وقف عليه من سيرهم وما مهروا فيه من العلوم، وفائدة الكتاب في مجال التاريخ غير خفية، وكذلك في مجال العلم والأدب والسياسة والفكر والتربية..
جمع المؤلف في الكتاب أعلام زملائه في الأخذ وحرر أخبارهم وذكر ما وقف عليه من سيرهم وما مهروا فيه من العلوم، وفائدة الكتاب في مجال التاريخ غير خفية، وكذلك في مجال العلم والأدب والسياسة والفكر والتربية..
هذا الكتاب صدر بمجهود حثيث للمجلس العلمي المحلي لمدينة تارودانت حاضرة سوس، بهمة رئيس المجلس أستاذي الدكتور اليزيد الراضي، الذي جمع أعضاء المجلس على تحقيق الكتاب وضبطه وإخراجه في حلة قشيبة تسر العين والقلب، وتشفي غلة الباحث المنتهي والطالب المبتديء، وتيسر الاطلاع على تاريخ المنطقة ورجالاتها وأعمالهم حتى يُتبين كيف كان السلف رحمهم الله همة وفضلا وإيمانا وصلاحا، وكيف ينبغي أن يكون الخلف دراسة وفهما واتباعا، ونظرا في الوحي لمعرفة الحق به وأخذ ما يصلح من ميراث الأجداد وطرح ما لا يصلح، هذا ما يستفاد من هذا الكتاب الذي صدر منذ أيام ضمن منشورات المجلس العلمي المحلي لتارودانت في 184 صفحة من القطع المتوسط بما في ذلك الفهارس، وضم 74 ترجمة، غالبها غير مذكور في أي كتاب آخر.. والله الموفق، والسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق