بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

مقال جديد بمجلة دعوة الحق المغربية.

نشرت لي - بحمد الله - مجلة دعوة الحق التي تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط مقالا في الموضوع أسفله وهو قسم أول من دراسة موسعة حول مجال التأليف في الحديث النبوي الشريفن وبالضبط كتاب ترجمة رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين إلى الأمازيغية السوسية للفقيه عبد الله بن الشيخ الحاج علي الدرقاوي الإلغي، وإليكم نص الدراسة.
رابط مباشر للمقال على وحدة المعرفة

الخميس، 12 أغسطس 2010

رمضان مبارك..

الإخوة الأفاضل الكرام رواد هذه المدونة 
 تقبل الله صيامكم وصلاتكم وسائر طاعاتكم، آمين
وكل عام وأنتم بخير.
 
صورة لا تحتاج إلى تعليق ( نقلا عن صحيفة القدس العربي)

الاثنين، 9 أغسطس 2010

كتاب جديد.. للعلامة السوسي.


صدر قبل أيام قليلة كتاب جديد من مؤلفات العلامة محمد المختار السوسي، أحد أكثر المؤرخين المسلمين غزارة في الإنتاج في العصر الحديث، ذلك هو كتاب " الرؤساء السوسيون في العهود الأخيرة "  الذي صدر بتقديم الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري وزير الأوقاف السابق وأمين بيت مال القدس بالمغرب، وقد أشرف على إخراج الكتاب ابن المؤلف عبد الوافي رضا الله، ويقع الكتاب في 240 صفحة من القطع المتوسط، وتتجلى أهمية الكتاب في احتوائه على 114 ترجمة أساسية و150ترجمة فرعية لرجال السلطة في منطقة سوس في عهد السلطان الحسن الأول وما بعده، واستعراض لتقلبات حياتهم وطبيعة ممارستهم للسلطة وتعاملهم مع السلطة المركزية بفاس ومع المجتمعات المحلية التي كانوا يشرفون على تسيير شؤونها.
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب:
"هؤلاء مجموعة من الرؤساء، وفي أيديهم صولجان الإدارة، وزمام العامة والخاصة، ويقفون دائما في موقف يحتاج إلى اعتباره الفقهاء والقراء والصوفية، ولذلك لابد أن نلقي عليهم أيضا نظرة أخرى. ولكن الرؤساء كثيرون متنوعون، فمنهم الرؤساء المسمون القواد، ومنهم الرؤساء القليون فقط، وحيث لا نتكلم إلا على اواخر القرن الماضي( الثالث عشر الهجري) والنصف الأول من هذا القرن ( الرابع عشر) رأينا أن نضيف شرطنا ليمكن أن نجعل بين يدي القارئ نماذج تمثل أخلاق أولائك الرجال في عصرهم، كما يراه المؤرخ، وإلقاء نظرة عجلى على أدوارهم التي مثلوها، فاخترنا أن نسوق من نعرفهم ممن كانوا القواد الحسنيين الذين قدمهم المولى الحسن عند تشريفه سوس سنة 1299 هـ وفي سنة 1303 هـ، ثم بعد ذلك نذكر بعض رؤساء قبليين رأيناهم أولى بالموضوعن ولكونهم إلى معارفنا أقرب. وقد كانت سوس في القرن الماضي كله على عاداتها من النظام القبلي فقط حتى جاء مولانا الحسن، فحاول أن ينظم القواد عليها ولو رسميا وظاهرا فقط، فلنخلد عمله هذا، ولنذكر من تشرفوا بتقديمه." المقدمة ص: 17-18.
ومن خلال هذا التقديم تتضح لنا الأهمية الكبير لهذا الكتاب في دراسة تاريخ المغرب الحديث، ودراسة ظاهرة النخبة السياسة التي أنيط بها تدبير شؤون المغرب في مرحلة حرجة من تاريخه في زمن كان الاستعمار الغربي يتحين الفرص للانقضاض على البلاد وتمزيع أوصالها، ولذلك فدراسة التراجم الواردة في الكتاب وتتبع الأحداث يعطينا صورة دقيقة لحالة المجتمع ونخبه.
كما يمثل الكتاب من حيث صدوره برور الأبناء بوالدهم وبتراثه، فقد أجهد أبناء العلامة السوسي أنفسهم - خاصة منهم الأستاذان أحمد وعبد الوافي - في إخراج ما بقي من مخطوطات والدهم وأصدروا في سنة واحدة ثلاث كتب  أولهما كتاب الترياق المداوي في أحوال الشيخ الحاج علي الدرقاوي الذي أعيد طبعه بعد نفاذ طبعته الأولى الصادرة في بداية سنوات الستين من القرن الماضي، فيما كان الأخيران من مؤلفاته الجديدة،وهما كتابه الهام مشيخة الإلغيين من الحضريين والرؤساء السوسيون، إضافة إلى كتاب السيرة الذاتية، المتضمن شذرات من ترجمة العلامة السوسي كما خطها بقلمه مجمعة من مؤلفاته الكثيرة. والواجب علينا أن نشكر هذا البرور وهذا الجد ونشكر المحسنين الذين دعموا هذا النشاط العلمي ونشدّ على أيديهم تقديرا لجهودهم في التضحية من أجل نشر تراث العلامة السوسي.
دليل مؤلفات العلامة محمد المختار السوسي.

الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

عشرون آلفا ...

صفحتي في موسوعة نول

اليوم تقترب صفحتي في وحدة المعرفة نول Knol من 20 ألف زائر، (19962 بالضبط يومه الثلاثاء 2 غشت 2010) مما يدل على أمرين اثنين:
أولهما: أهمية التقنيات الشبكية في تواصل الناس واطلاعهم على المعلومات وتداولها وتبادلها أكثر من أي وقت مضى، خاصة في المواقع المفتوحة مثل هذه الموسوعة العالمية التي افتتحتها شركة غوغل منذ سنوات، وهذا التواصل لم يكن متاح من قبل، فقد كانت للنشر حدود مكانية وزمانية لا يتجاوزها، وكانت هناك قيود عديدة متعددة، أما اليوم مع هذه الإمكانات المجانية فالمجال رحب وحرية العمل البناء المجدي متوفرة.
ثانيهما: أهمية المضامين المنشورة بالصفحة وتنوعها وقيمتها العلمية، وهذا ما جعل المشرفين على القسم العربي بالوحدة يصنفون هذه المقالات والبحوث ضمن أجود المضامين واكثرها إثارة للإهتمام وذلك بناء على عدها ضمن الأعلى جودة والأكثر عرضا للمؤلف، وهو شيء يدعو للطمانينة ويدفع لبذل الجهود ونشر المزيد من الدراسات الجديدة والقدمة على السواء، وهو ما سأسعى إليه في المراحل القادمة بحول الله.
إن بلوغ هذا الرقم الكبير من الاطلاع والاهتمام بالنسبة لأي مؤلف مدعاة للسرور والاطمئنان، فهاهي ذي وحدة المعرفة تربطني بقراء كثيرين من مختلف أنحاء العالم ممن يقرؤون بالعربية أو يكتبون بها، وها هي تجعلني أتجاوز معدلات القراءة المعروفة في النصوص الورقية والتي لا تتجاوز في أحسن الحالات عدد النسخ الموزعة من الكتاب أو المجلة والتي لا تصل في أحسن الأحوال إلا إلى 3 آلاف نسخة، لقد قارب عدد القراء العشرين ألفا قبل أن أتم سنتين من النشر في الموسوعة والذي بدأته في 18 من شتنبر 2008 ، وبلغ معدل القراء 834 في الشهر.
وكان من أكثر المقالات إثارة للاهتمام الدراسة التي قدمتها بعنوان: " الدور الحضاري للمكتبة العربية في العصر الرقمي" والتي بلغ عدد قرائها 3309 لغاية اليوم، يليها مقال حول" حركة الإصلاح المالكي بالمغرب في القرن الخامس الهجري ودور وكاك بن زلو اللمطي خلالها" ب1165 ثم في المرتبة الثالثة مقال :" أنا والحاسوب أو كيف عرفت تقنيات المعلومات؟"  ب 1094 قارئا.. فيما يتقدم بحث مطول في موضوع: "تقنيات التعليم عن بعد (‎e-Learning ) وآفاق تدريس القرآن الكريم وعلومه" بتؤدة ليحتل المراتب المتقدمة مستقبلا إذ بلغ عدد قرائه الآن  713 وقد جاء في المرتبة 11، مما يشير إلى أهمية الموضوعات حول التقنيات الحديثة للمعلومات واهتمام رواد الموسوعة بهذا الموضوع الجديد الطريف..وستكون هناك بحول الله موضوعات جديدة في كل التخصصات التي أهتم بهان ويثيرني الاشتغال بها..
في الأخير أقول شكرا لوحدة المعرفة نول، وشكرا لكل القراءة والمتابعين..وإلى تحقيق الألفية الثانية من القراء أرجو للجميع مطالعات ممتعة على الشبكة العالمية، وفقنا الله لما فيه الخير والسلام.


الاثنين، 2 أغسطس 2010

القراءة الرقمية ومستقبل الكتاب

دعاني الأخ المشرف على موقع الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب لحوار مباشر على الموقع منذ أيام، وقد كان الحوار مجالا لطرح إشكالات التطور التقني الذي يشهده مجال الكتاب والقراءة منذ ظهور الحاسوب عموما ثم بالتطور السريع والحثيث لتقنيات القراءة بتطوير أجهزة القراءة الإلكتورنية ebooks وكان الحوار فرصة للتداول في الموضوع وعلاقته بالثقافة العربية والإسلامية عموما، وكيفية الاستفادة من هذا المجال في المغرب، وقد كان هذا الحوار الذي أقترح عليكم مطالعته إلى جانب مواد مرئية مسموعة اخترتها لتدعيم ما جاء فيه من موقع يوتوب.. قراءة ممتعة للجميع
والسلام

السبت، 3 يوليو 2010

الوظيفة..

شريط " الوظيفة" لصاحبة سانتياغو  غراسو من إنتاج سنة 2008 
أثناء تصفحي لبعض المواقع لفت نظري هذا الشريط القصير  بعنوان " الوظيفة" وهوتصوير سوداوي لظاهرة التسلط في المجتمع البشري من خلال نظرة موجزة وصامتة لانصراف رجل  إلى عمله وتصرفه تجاه أهله ثم الناس في الشارع، بطريقة تسلطية لا تجعلهم أكثر من أشياء لا روح لها ولا إرادة ولا كرامة، تخضع لرغبات السيد الموظف، فكل من في بيته ليس سوى مكملات وأدوات لخدمة سيادته، وكل من في الشارع ليسوا سوى خدم لنقله على ظهورهم في الطريق أو في المصعد، ثم نعرف في الأخير أن سيادته المبجلة موظف في مؤسسة كبيرة، وسرعان ما تصدمنا المفاجأة حينما نكتشف أنه ليس سوى ممسحة أرجل أمام مكتب مديره... إنها المحاكاة الساخرة لكل مظاهرة التسلط والاستغلال في المجتمعات المحلية أو الوطنية أو الدولية حينما يُتعامل مع الناس وكأنهم أشياء أو أدوات تحت التصرف دون مراعاة كرامتهم وإنسانيتهم..
أشير في الأخير إلى لقطة قصيرة بعد الجنيريك عند الدقيقة 5.56 تبين حل المعظلة في نظر المخرج وذلك عندما يظهر الشاب حامل المصباح في بيت الرجل المتسلط ليزيح المضلة عن رأسه ويتأملها برهة ثم يلقي بها أرضا وينصرف إلى حال سبيله.
صاحب هذا الشريط هو الرسام سانتياغو غراسو من الأرجنتين.

الجمعة، 4 يونيو 2010

الغارة التي بدأت ...Baskın böyle başladı


حدث بارز شهده هذا الأسبوع، حدث مؤلم ومفجع، حوالي 700 متطوع يمتطون البحر متوجهين إلى غزة لإعلان إدانتهم للنفاق العالمي تجاه سكان غزة هاشم، فماذا كان مصيرهم؟؟ القتل بدم بارد، هكذا صارت قافلة الحرية مجالا لتطبيق تداريب القوات الخاصة الإسرائيلية، وكما قال الشاعر:
أسد علي وفي الحروب نعامة*****ربداء تفر من صفير الصافر
ولكن لماذا هاجم اليهود مرمرة التركية؟؟ ما هو الخطاب الرمزي الموجه إلى العالم؟
الخطاب واضح: كانت قافلة الحرية تضم أزيد من 40 جنسية مختلفة، والهجوم على هذا الجمع العالمي الذي جاء ليفضح نفاق العالم  ويكشف عوار إسرائيل، القصد منه تهديد الجميع، وإرغامهم على الصمت والسكينة والهدوء، ففلسطين وغزة والأقصى شأن داخلي إسرائيلي يهودي خاص لا مجال لأحد ليتكلم فيه بما لا يسر يهود تل أبيب، فحتى أوباما أرغم على السكون وخفض الجناح فكيف يتجرأ هؤلاء الأغرار من شتات الأرض ليحرجوا حكام إسرائيل، لذلك لابد لهم من عقاب، وكذلك كان.
اما بالنسبة لتركيا فكان هناك خطاب آخر، ما هي رمزيته بهذه المناسبة المؤلمة؟؟؟
لا شك أن هذا الحدث تصفية حسابات مع تركيا، فرئيس وزراء تركيا هو الذي وقف ليواجه الثعلب اليهودي العجوز بيريز في منتدى دافوس ويفضح صفاقته ونفاقه وهو يبرر قتل الأطفال والشيوخ في غزة، بحجة محاربة الإرهاب، ومن يستطيع أن يفعل ذلك غير أردوغان الذي يمثل - بفضل الديموقراطية - الشعب التركي بكافة فصائله وأجناسه..
ثم إنه في تركيا تم إخراج  وعرض مسلسل وادي الذئاب الذي يبرز طغيان اليهود في فلسطين، وظلمهم وجبروتهم ونفاق العالم وذله لهم وخوفه منهم، وقد استدعي السفير التركي إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية وعومل بشكل مهين وضيع، فما كان من أردوغان إلا أن أرغى وأزيد وهدد إسرائيل بقطع العلاقات وتوقيف كل أشكال التعامل إن لم يتم الاعتذار خلال 24 ساعة، ومن يستطيع أن يفعل ذلك ، سواه؟ وجاء الجواب عكس ما اعتقد العالم كله، اعتذارا كتابيا من إسرائيل، وتذللا حتى لا تكون في عزلة.
وتركيا هي التي نسقت الاتفاق الثلاثي مع إيران والبرازيل بشأن تخصيب اليورانيوم، وسحبت بذلك البساط من تحت أرجل امريكا وحلفاء امريكا ومن ورائهم دولة العنصرية المقيتة إسرائيل ليقعوا جميعا في حيص بيص، وليشعروا بالحرج خاصة عندنا هددتهم تركيا إن هم صادقوا على العقوبات في مجلس الأمن وتم الضغط على روسيا وإغراؤها بفوائد إن هي انظمت إلى الجوقة..لكن ذلك كله ذهب هباء، وبقي موقف تركيا قويا..
وها هي تركيا تأتي أخيرا لتسوق قافلة ضخمة من عدة سفن كبيرة إلى غزة، لم تكن مثل السفن الصغيرة التي ألفنا مشاهدتها تمخر عباب البحر إلى شواطيء غزة، بل كانت أكبر، وأعظم وأشمل، والمهم من كل ذلك أن السفينة الأولى تحمل العلم التركي..هي سفينة مرمرة: ومرمرة اسم بحر يلتقي عنده جزءا تركيا الأوربي والأسيوي، ولذلك معنى عميق، زد على ذلك أن اسم السفينة وقبلها البحر مشتق من المرمر أحسن أنواع الرخام وأغلاها، إنه الرخام الأبيض الصافي ولذلك كله رمزيته.
هكذا شق المرمر التركي البحر ليصل إلى سجن غزة، ليفضح حقيقة الظلمة المدلهمة التي حطت بكلكلها هناك، وفي كل ذلك إحراج وأي إحراج ليهود إسرائيل، فكان رد الفعل الذي رآه العالم.
ثم إن دور تركيا تصاعد وتقوى، فبينما كان اليهود منشغلين بتطويع جيرانهم ترهيبا وترغيبا خرجت تركيا تبحث عن مكان لها تحت الشمس، مكان مناسب لنفوذها الاستراتيجي المستمد من حركيتها الديموقراطية القوية ومن حيويتها الاقتصادية ومن قوتها العسكرية، ومن بحثها عن مصالحها في وقت تغولت فيه القوى المستبدة للحفاظ على مصالحها، وأخرجت كل أوراقها ولاعبت حلفاءها بأوراقهم، وكانت خلاصة تحركاتها مصالحي أولا، ماذا أستفيد؟؟ نهضت تركيا وصارت قوية وقد أرادها الاتحاد الأوربي متسولا ضعيفا يقف ببابها منتظرا لقمة يسد بها رمقه، فإذا بها تتحول إلى عامل جريء ورجل أعمال ناجح، لم تفتك به مشاكل الأزمة الاقتصادية العالمية، وها هو ذا يمد يده لإعانة عدو الأمس: اليونان التي افتقرت بعد غنى وذلت بعد عز وانصرف عنها رفاق الأمس من الدول الأوربية مستثقلين إعانتها للخروج مما هي فيه .. لقد استرجعت تركيا ثقتها بنفسها واعتمدت على إمكاناتها،وعرفت طريقها في الاقتصاد والسياسة والبحث عن المصالح..
لهذه الأسباب كلها تم الهجوم على قافلة الحرية..لأجل إهانة تركيا وإذلالها، وإعلامها أنها لا ينبغي أن تخرج عن الدور المرسوم لها، لتكون قردا يرقص  وفق ما أراد له مدربه..غير أن ذلك لن يتحقق، فقد حان وقت التغيير ، بل حان وقت التغيير الذي كان الأتراك يريدونه بطيئا سلسا وأراده اليهود في إسرائيل- بدون قصد - سريعا وقويا.
ها هي ذي تركيا تعود مرة أخرى إلى مجالها ونفوذها الاستراتيجي الذي يمتد إلى  غزة هذه المرة، وهو ما لم يشهد له مثيل منذ سقوط الخلافة العثمانية في بداية القرن العشرين، وها هي ذي تضع أمامها تحديا كبيرا إسقاط الحصار عن غزة، لقد توفي 9 شهداء أتراك في هذه القافلة، وهاهم ينقلون إلى مسجد محمد الفاتح - وللمسجد وبانيه رمزيتهما - ليصلي عليهم الأتراك، ثم ينقلون إلى مواطنهم ليدفنوا فيها، لقد تفرقت دماؤهم على تركيا كلها، لا لتذهب هدرا ولكن لتذكر أبناء الأناضول أن هناك حسابا لابد من أدائه لهؤلاء الشهداء، وأن هناك أمانة لابد من صيانتها..هكذا فتح اليهود في إسرائيل واجهة جديدة للصراع.. سيكون لها ما بعدها بحول الله.
صلاة الجنازة على الشهداء الأتراك ( نقلا عن موقع الجزيرة نت)
وأخيرا ماذا نستفيد نحن الذين نجلس في اوطاننا صامتين متفرجين من هذه الحادثة المفجعة؛ هناك خلاصتان اثنتان: أولاهما أن عهدا جديدا قد بدأ، وقد لاحت ملامحه منذ بداية الحصار وتصدي الغير من كل انحاء العالم لكسره والتعاطف مع أبناء غزة المستضعفين المظلومين، عهد تصمت فيه الحكومات وأصحاب القرار وينطلق الأفراد وأبناء المجتمع، ممن يحكمون المباديء والقيم للنظر إلى القضايا والمشكلات، فيصرخون بملء أفواههم للتذكير بالحق والعدل، بل يعملون بما وسعهم القيام به من مبادرات وأعمال لكسر شوكة المعتدي ولو رمزيا.
ثانيتهما، تنبيه جماعة المنافقين الموجودة في كل بلد الثاوية خلف كل غرض، ممن دأبها مغازلة يهود إسرائيل، والسعي وراء التطبيع بكل وسيلة وفكر وأيديولوجيا، وإيقاظ النائمين الغافلين، وبيان وجه اليهود العنصريين القبيح الذين لا يرقبون في إنسان إلا ولا ذمة، وإنما دأبهم الإفساد والظلم في كل محل حلوا به، وتنبيه العالم كله إلى أن إسرائيل داء عضال وسرطان قبيح وورم خبيث لا تمكن معايشته، فإن لم تستأصله قتلك، وإن لم تحرقه وأدك..  
ماذا نقول في الختام؟ Baskın böyle başladı  لقد بدأت الغارة.. انطلقت أحداث لها دلالتها وتأثيرها، وستكون كلها سلسلة في تاريخ طويل من المدافعة، كلما أغلق منه باب فتحت أبواب، ومازالت في جعبة الدهر مفاجآة..إنها انطلاقة لعهد جديد مؤثر متوتر، وستليها أحداث عظام يعلمها خالق الأرض والسماوات ستنتهي بما أخبر به عز وجل في كتابه المعجز وفي حديث رسوله صلى الله عليه وسلم باستئصال هذا الورم الخبيث ومحو آثاره وتثبيرها.. والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.

الجمعة، 21 مايو 2010

الذكرى 25 لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير ..


http://www.univ-ibnzohr.ac.ma/portail_flsh/fadefac.swfتحل في هذه السنة الذكرى الخامسة والعشرون لتأسيس كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، كان افتتاح هذه الكلية حدثا مهما في تاريخ منطقة سوس، وفي مسيرتي الشخصية، كان ذلك سنة 1984، كنت آنذاك قد حصلت على شهادة الباكلوريا، وكنت متحمسا للدراسة الجامعية التي طالما سمعت عنها من زملائي وقرأت عنها في الكتب والسير والمذكرات وفي المجلات، كانت مرحلة علم وجد واجتهاد كما بدت لي وأنا شاب  صغير، أتذكر أول يوم لي في الكلية، أراه أمامي كأنه نقش في الذاكرة، خرجت من مدينة تارودانت مع رفقة لي من الطلبة الجدد في حافلة النقل الجماعي من ساحة أسراك في السابعة صباحا وصلنا أكادير بعد ساعة ونصف، توقفنا في محطة سيارات الأجرة والحافلات الحضرية، استرحنا قليلا في مقهى هناك وتناولنا الفطور، ثم رحنا نسأل عن حافلة النقل الحضري التي تربط الكلية بالمحطة، أخبرنا أحدهم عن رقمها انتظرنا جاءت حافلة صغيرة، ركبنا بعد أداء ثمن التذكرة، وسارت الحافلة بعد حين كان الركاب قلة قليلة  أغلبهم من الطلبة، كان القصد حي القدس آخر منطقة معمورة من أكادير، نزلنا سألنا عن مكان الكلية، أرانا أحد الركاب المنطقة كانت بعيدة عن العمران ولا تكاد تبدو منها سوى الراية في أعلى بنايتها، سرنا وسط حي الداخلة الذي كان خلاء يبابا، إلا من أعمدة الإنارة العمومية، كانت تجزئة سكنية في طور الإعداد، سرنا قاصدين الراية التي كان النسيم العليل بتلاعب بها، تلاعب الأماني والأحلام السعيدة بأفئدتنا، كيف لا ونحن مقبلون على التسجيل في الجامعة؟؟
وصلنا أخيرا.. هذا باب الكلية الضخم، دلفنا إليها، مازالت الكلية ورشا كبيرا لم تنه الأشغال منه بعد، كانت البنايات قد تمت وبعضها لما يصبغ، وأرضها عارية لا شجر ولا عشب فيها، كانت مقفرة، أو هكذا بدت لنا، ولكن الجدة كانت في كل مكان، كانت رائحة الجدة تفوح من البنايات والأبواب، كانت أصوات المطارق والبنائين والنجارين وغيرهم تملأ المكان، سألنا عن مكان التسجيل، كان كل شيء معدا لاستقبالنا، وجهنا أحد ما إلى المدرج، وجدنا فضاء كبيرا جدا لم نتخيل وجود مثله في الجامعة ومقاعد طويلة ممتدة، ولوحا أسود امامه مكتب كبير للأستاذ، كان كل شيء في الكلية يوحي بالضخامة والعظمة، مما زادنا رهبة وتوجسا بددهما الأساتذة الحاضرون في المدرج للإشراف على التسجيل ما زلت أذكر الأستاذ الزميل ( الآن) الدكتور مولاي الحسن السكراتي وهو جالس يشير على الطلبة ويهديهم لكيفية تعبئة الأوراق والملفات، جلسنا وقد اخذنا الملفات ودققنا في الخيارات، إلى أي شعبة ننتمي، كانت الشعب المفتتحة آنذاك قليلة جدا الفرنسية والتاريخ والجغرافيا واللغة العربية، كان الأمر بالنسبة لي محسوما، لا مكان لي إلا في شعبة اللغة العربية..
سلمنا الوثائق تأكد الأستاذ السكراتي من تعبئة الملفات بطريقة سليمة ثم سلمنا أحد الموظفين وصل التسجيل في انتظار تجهيز بطاقة الطالب.
مر وقت غير قليل في انتظار انطلاق الدراسة قضيناه في البحث المضني عن السكن، ويا له من بحث مضن، لم يكن الناس يعرفون معنى كراء منازل لسكنى الطلبة، ولا كيف يتعاملون معهم وكانت المساكن بعيدة جدا عن الكلية، لدرجة أنني في بعض السنوات كنت أقطن بمدينة إنزكان على بعد أزيد من 8 كلم من أكادير، ثم مرة أخرى في حي ودادية الموظفين أو في حي الخيام..
وأخيرا جاء وقت الدراسة ..انطلقت المحاضرات ولمّا تنتهي أشغال البناء والتجهيز، وبقينا لمدة شهور نسمع أصوات المطارق وهي تقطع علينا الدروس، ولم تجهز المدرجات بمكبرات الصوت إلا بعد مدة، ومع ذلك كانت تلك انطلاقة بديعة لمسيرة جديدة في حياتنا فتحت لنا أبواب المعرفة وآفاق العلم والفكر.. بفضل أساتذة أفاضل كانوا من الجيل الأول المكافح في التدريس بالجامعة، جيل الآباء المؤسسين الذين لن ننسى فضلهم - نحن أبناء تلك السنوات الأولى - منهم من التحق ببارئه ومنهم من تقاعد ومنهم من مازال قائما على الواجب لا يفرط فيه، سأذكر منهم الأستاذ محمد الماكري رحمه الله، والأستاذ محمد بزيكا عافاه الله، والأستاذ أيت وادريم رحمه الله، سأذكر منهم الوالد كما كنا نلقبه أستاذنا محمد المنزيل حفظه الله، والأستاذ محمد المغراوي الذي انتقل إلى كلية الآداب بالرباط والأستاذ محمد بلبول كذلك، والأستاذ عز الدين بونيت المندوب الجهوي للثقافة حاليا، والدكتور اليزيد الراضي رئيس المجلس العلمي المحلي لتارودانت حاليا، والأستاذ محمد الناجي والأستاذ محمد زاهي أعانهم الله، سأذكر منهم الأستاذ اللطيف الدكتور محمد الجابري، والأساتذة الذين مازالوا على ساق الجد الدكاترة محمد خطابي ومحمد حفيضي وإبراهيم الوافي ومحمد رضوان.. وغيرهم من الرواد الأوائل.. ولا انسى إدارة الكلية التي لم تكن تعنينا نحن الطلبة، ولم نكن نعرف منها سوى شبابيك شؤوننا لنسحب منها أوراق المنح أو الأوراق الإدارية، لا أنسى الأستاذ حسن بنحليمة الذي اشتغل بكد ودأب لتأسيس هذه المؤسسة العلمية وأعطاها من وقته وجهده ما جعلها في زمن وجيز تزاحم الكليات العريقة بالمغرب..لا ننسى الندوات والدروس الافتتاحية ولمحاضرات والأنشطة المستمرة..
ما أحلى تلك الذكريات وما أمتع تلك اللحظات الجميلة..وما أجمل أيام الدراسة والجد في المعرفة وطلبها، مرت أربع سنوات كطيف خيال أو حلم وسنان، وخرجنا من اكادير إلى آفاق بعيدة نستشرف منها معالم الأخذ وتعميق المعرفة..
ها هي ذي 25 سنة قد مرت، تقلبنا فيها ما شاء الله لنا أن نتقلب نحن أبناء ذلك الجيل السابق، جيل أوائل الطلبة بالكلية، وشاء الله تعالى أن أعود إلى العش الذي درجت منه، لأرافق من كانوا قبل حين أساتذتي وشيوخي، ولأرى الكلية والجامعة من زاوية جديدة: زاوية التدريس وحمل الأمانة..
مرت السنوات وكبرت الكلية وتغيرت أمور كثيرة وذهب أناس وجاء آخرون، وحدثت أحداث ووقعت وقائع، وتطورت الكلية نحو الأحسن تارة واتجاه الأسوء تارة أخرى، وهي تترنح في مسيرتها كأنها سفينة شامخة في محيط ثائر.. غير أنها مازالت هي هي تلك التي استقبلتنا في أحد أوائل أيام شهر شتنبر من سنة 1984 طلبة شببة صغارا مبتهجين من خروجهم حضن الأسرة والمنزل والحي والمدينة لاستشراف الأفق الأبعد، أحيانا حينما تخلو الكلية من كل ضجيج، حينما أسير فيها وحيدا تقريبا، ترجع إلي الذكرى، وتتزاحم الصور أمام ناظري، وأسمع خلال حفيف أوراق الأشجار صوتا رقيقا هادئا ينبهني: هنا كنت تجلس، هنا كنت تدرس، هنا كنت مع زملائك فلان وفلان تتجمعون، في هذه القاعة كنت تدرس عند الأستاذ الفلاني، هنا من هذا المدرج جلست إبان ندوة تارودانت حاضرة سوس واستمعت إلى عرض الأستاذ المرحوم عبد الله الكرسيفي، أتذكر الدرس الافتتاحي للدكتور عباس الجراري حول الأدب في الصحراء.. في هذا الجانب رأيت الأستاذ محمد حجي رحمه الله لأول مرة يتجول في الكلية.. في هذه القاعة كنتم تجتازون الاختبارات الشفوية الأخيرة..
حيا الله تلك الأيام وهنيئا لكليتنا بذكراها الفضية، وهنيئا لكل من أسهم في بناء هذا الصرح العلمي الشامخ، هنيئا لكل من استفاد منها وعرف لها حقها، وهنيئا لكل من أفاد بها وأدى الواجب كما ينبغي، هنيئا هذه الذكرى ذكرى تأتي  والكلية تعاني وعكة  أخلت بحيويتها المعهودة، فأضحت طريحة الفراش مما بها من أسقام، ولعل المعنيين بها ينتبهون إليها، فيداوونها بما يشفيها ويعود بها إلى سابق نضارتها، فهي لم تشخ بعد، بل لم تفارق عهد الشباب والفتوة.. ومازال في جعبتها الكثير مما تقدمه لجهتها ولمحيطها البار الخيرّ...

الأحد، 16 مايو 2010

تراثنا والفرصة الضائع..

شاهدت منذ مدة شريطا قصيرا بمناسبة المعرض المقام بأنكلترا حول الحضارة الإسلامية تحت عنوان " ألف اختراع واختراع..1001inventions" المنظم في شهر يناير الفارط، وهو معرض يعنى بعرض اختراعات المسلمين التي أثرت ولازالت تؤثر في حياة الناس اليوم في بيوتهم وفي مدارسهم ومستشفياتهم ومدنهم.. وغير ذلك، لقد امتعني هذا الشريط كثيرا كما أمتع كثيرين حتى إنه نال جوائز كثيرة في مهرجانات الأفلام،حقا لقد أغفل الشريط أسس ودوافع الإبداع عند المسلمين، إلا أنه مفيد لطرافة موضوعه ولجودة إخراجه وتنسيقه، ولكونه شريطا تربويا غاية في الإفادة، كما دفعني التفكير فيه وفي حيثيات إنتاجه إلى تسجيل جملة ملاحظات، أؤجل سردها إلى حين، والآن مع الشريط الرائق، وهو منقول من موقع قناتك.


شاهدت هذا الشريط، وبقدر ما أمتعني وأسعدني ما ورد فيه من أفكار، والطريقة التي قدمت بها منجزات الأجداد، تلك المنجزات التي شارك في إبداعها المسلمون من كل الأقطار ومن كلا الجنسين، حينما كان المبدأ الذي وحدهم هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحينما كان التفاضل بالتقوى في العقيدة والإحسان في العبادة والمعاملة، حينما كانت الدنيا مشرقة بروح إيمان المؤمنين وصدقهم.
 بقدر ما أسعدني ذلك كله  شعرت بالحزن والأسف لما آل إليه حالنا في عصرنا الحديث من ناحية ولما يعكسه هذا الشريط - إذا قورن بالواقع - من ضعف الأمة وتخاذلها وانتشار الجهل والأمية وسط أبنائها، ليست فقط بين عامة الناس ودهمائهم ولكن في النخب الممسكة بمقاليد الأمور، تلك النخب التي لا تدرك عظمة هذه الحضارة وقوتها، ولا تعرف كيفية الاستفادة منها، وإنما حظها مظاهر خادعة وكلمات مرصعة تزخرف بها خطب المناسبات..
كل ذلك جعلني أتساءل هل نستحق فعلا أن نكون أحفاد أولئك العظماء من العلماء الذين أجهدوا أفكارهم في خدمة الوحي فهداهم إلى سبيل الرشاد ووضع أيديهم على أسرار الخلق والوجود، وسددهم إلى  رؤية ما لم يره غيرهم قبلهم.. هل نستحق الانتماء إلى هذه الأمة الراشدة المهدية؟ أم أننا طغام جاهل بليد لا فائدة فيه خلفته تلك الموجة الحضارية العظيمة وراءها غثاء كغثاء السيل، يزجي الأيام بالانتساب ولم يصنع في يومه ما يؤكد صلته بمن رحل قبله من الصانعين العظام..
أمر آخر وقفت عنده، وهو الفكرة التربوية التعلمية للشريط، التي جسدت فكرة أساسية طالما تغنى بها الكتاب والمفكرون وحاضر حولها الفلاسفة المؤرخون، وهي سبق الحضارة الإسلامية في كثير من ميادين الحضارة والفكر والعلم وإسهامها الثر في كل المجالات..وكثيرا ما صمّ المستشرقون ومن تابعهم من الجاحدين آذانهم حتى لا يسمعوا هذه الحقائق وأغلقوا أعينهم كي لا يروها، وقد أحسن منتج الشريط فخاطب عامة الناس في الغرب وفي الشرق معا، وترك المتخصصين لهمومهم، وما يهمنا نحن هنا ليس عزف اللحن القديم الممل حول المسلمين وأعمالهم، وإنما نقصد ماذا سنفعل بعد هذا؟ معرض حول اختراعات المسلمين في لندن وشريط يحصد الجوائز ؟؟؟ أين نحن من كل ذلك، هل نبقى عاجزين عن خدمة التراث بالتعريف به وذلك أضعف الإيمان..؟ متى سنضع أيدينا على هذا التراث لا لنحفظه ونقدسه ونجله، ولكن لنخدمه بنخله وفصل البعر فيه عن الجوهر، وأخذ العناصر النافعة منه وجعلها وسيلة لتنمية الإنسان والمجتمع، ووضع خطط التطوير بعيدا عن كل بهرجة وزيف، متى سنعطي القوس باريها فنخدم هذا التراث في الإعلام بإبرازه وجعل رجاله ونسائه مثلا يحتذى، وفي التعليم بالرجوع إليه والاستفادة مما فيه من مناهج وطرق ومعارف، وفي الأسرة بإحياء الارتباط العائلي وتقديس علاقات المحبة والتواصل بين ذوي الرحم، وفي الاقتصاد بإحياء اجتهاد علماء الإسلام في تدبير المال وتنميته وجعله وسيلة لتكريم الإنسان لا غاية نتيجتها إذلاله، وفي القانون ببعث فكر صيانة الحقوق موازاة مع فكر الإلتزام بالواجبات، وفي المجتمع بإعلاء مبدأ تكريم الإنسان واحترامه وجعل قيمته في ما يحسنه، وفي التدين والعبادة بتأسيسها على قيم التراحم والتعاون عوض التشاحن والتباغض..
إن تراثنا كيمياء حقيقية، ولكن أين من يعرف كيفية استعمالها وصفة النفع بها، وكأن الناس في عصرنا اتفقوا إما على الكفر بهذا التراث والخجل من الانتساب إليه، وإما على اللجوء إليه والعيش داخله في انقطاع عن العالم والعصر والناس، وذلك كله تطرف مهين وغلط مشين، وإنما الواجب بذل الجهد في الجرد والجمع والفهم والتحليل والاستقراء والاستنباط، ويقوم بذلك علماء الأمة الحقيقيون الذين يعيشون في زمننا بعيدا عن الأعين وخفية عن الأنظار، لايعرفهم الكثيرون..وكيف يبرزون للناس وهم يكرهون الشهرة ويزهدون في الظهور، ثم إنهم يعرفون زهد الناس فيما بين أيديهم، فاكتفوا بالانزواء والاشتغال في صمت بما تيسر لهم من جهود لعل زمنا آتيا ينصفهم ويبرئ ذممهم من الإهمال والتقصير ..
هذا تراثنا إذن منسي بيننا، نزهد فيه ونبيعه بأبخس الأثمان، ويعمد الأخرون إلى بعض أجزائه فيجلون صدأها ويلمعون معدنها فإذا هي بين أيديهم ذهب مسبوك وعقيان صاف يخطف الأبصار ويبهر الأذهان ويتغالى الناس في أثمانه، فواها لأمة أضاعت تراثها وفرطت في ميراث أجدادها.. ولم تدرك عاقبة ذلك إلا بعد فوات الأوان، والله المستعان.

الجمعة، 14 مايو 2010

ندوة تكريم الدكتور الجراري...

قبيل انطلاق الجلسة الختامية للندوة إعداد ومشاورات مع الأستاذ الحاتمي منسق فريق البحث
والأستاذ أحمد بومزكو المكلف بالشؤون الثقافية في المجلس البلدي لتزنيت ( تصوير: لحسن بايا)
عقدت منذ أيام ندوة تكريمية لأستاذنا الدكتور عباس الجراري، في موضوع :" الأدب بالجنوب المغربي في القرن 14 للهجرة" وقد شاركت في هذه الندوة بالتنظيم لانتمائي إلى فريق البحث في التراث السوسي  التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير المشارك في تنظيم الندوة، وببحث علمي لأنني من تلاميذ المحتفى به، درست عليه منذ 21 سنة بالدراسات العليا في تخصص الأدب المغربي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط وبالضبط سنتي 1988 و1989 يوم كان يدرسنا بمعية أستاذي الفاضل المرحوم الدكتور علال الغازي والأستاذ الدكتور أحمد الطريسي أعراب المعار إلى إحدى جامعات الخليج العربي الآن.
كانت فكرة التكريم قائمة في أذهاننا منذ احتفى به طلبته سنة 1997 بمناسبة بلوغه سن الستين ثم حينما تم تكريمه بكلية الرباط عند تقاعده سنة 2002، وقد حضرت تلك الندوة، وكان المرحوم عبد الله درقاوي رحمه الله، وهو أستاذ بمركز تكوين المفتشين بالرباط، واحد تلاميذه الأوائل بمدينة فاس، حاضرا فصار يحثني على تنظيم تكريم للأستاذ لدوره في خدمة أدب منطقتنا سوس، وحدبه ورعايته ومحبته للسوسيين،حتى تخرج عليه منهم طائفة كبيرة ولكون أصله من هذه المنطقة، وبالضبط قبيلة أولاد جرار. فوعدته خيرا، وأن أستشير زملائي الأساتذة في ذلك الأمر لنعد العدة المناسبة..مرت أيام وأيام  وتوفي الأستاذ عبد الله درقاوي رحمه الله إثر وعكة صحية، ثم إذا بالسنة قد مرت على الاحتفال السابق ودعيت للمشاركة في ندوة علمية نظمها النادي الجراري حول الرحلات الداخلية، فجئت الرباط وقد حدثت زملائي عن اقتراح التكريم فتحمسوا له، ولقيت الأستاذ الجراري فذكرت له ذلك فرحب واستجاب واشترط أن يكون من فقرات التكريم زيارة منطقة أولاد جرار..
رجعت إلى مدينة أكادير بالقبول والشرط، وصرنا نعد العدة ونقترح المواعيد وفي كل مرة يطرؤ طاريء يمنعنا من الوفاء بالوعد .. وعدنا الأستاذ ثلاث مرات لم نستطع الوفاء إلا في الثالثة، وكان ذلك كله خيرا وخيرا كثيرا، فقد إلتأمت الندوة أخير يوم 22 جمادى الأولى 1431 موافق 7 ماي 2010، وتقاطر المدعوون على مدينة تزنيت، بعد أن تحمس المجلس البلدي للمدينة لاحتضان الندوة وانضاف إليه المجلس الجماعي لأولاد جرار، ثم جاء الأستاذ ليحل على الجميع ضيفا كريما بين أهله وأقاربه وبني عمومته..
ومرت الندوة وكانت ناجحة بكل المقاييس، فمن الناحية العلمية عالجت موضوعا  مهما وهو دراسة التحولات التي لحقت الأدب في الجنوب المغربي بأنواعه واجناسه وتنوعه اللغوي ( عربيا فصيحا وملحونا وامازيغيا وحسانيا) قبل الاستعمار وأثاءه وبعده، وقد تصدى لذلك طائفة من المتخصصين في دراسة أدب الجنوب بسوس ودرعة والصحراء، وكان غرضهم جميعا إبراز هذه التحولات واستشراف الآفاق المستقبلية لأدب مجتمع يصارع للحفاظ على قيمه وثوابته أمام المد الغربي الكاسح، وجعل الندوة وقفة علمية لتقييم هذا الأدب ومعرفة مساراته وتحولاته.
ومن الناحية الاجتماعية كانت زيارة منطقة أولاد جرار فرصة للدكتور الجراري ليجدد الصلة بأهله وذويه، وكان هؤلاء في المستوى فاستقبلوه بما يليق بمقامه العلمي، فهو أستاذ الأجيال وعميد الدراسات الأدبية المغربية في الجامعة، والمؤلف في الفكر والإصلاح والثقافة، ثم بمقامه السياسي فهو مستشار جلالة الملك وصاحب الحظوة والمقام الجليل في هرم السلطة المغربية، وذلك كله يشرف المنطقة ويفتح لأبنائها الآفاق لبلوغ منتهى الأمال برؤية أحد أبناء عمومتهم وقد ارتقى سلم المجد العلمي والجاه إلى أعلى مراتبه.
كانت فقرات الزيارة كثيرة لكن أبرز ما استوقفني مفاجأة أعدها أحد أعيان القبيلة الجرارية وهو السيد الحاج عبد الله مصدق للحاضرين ومنهم الدكتور عباس الجراري، حينما حرر وثيقة بتمليكه حصة من سقي عين أولاد جرار الثرة، معبرا برمزية دالة على احتضان القبيلة الجرارية لابنها الزائر ورغبتها في ارتباطه الدائم بموطنه الأصلي.. وقد وقعت هذه المبادرة من الدكتور الجراري موقعا حسنا عبر عنه في كلمته بالمناسبة، وفي سروره بالندوة كلها وشكره للقائمين عليها، وقوله أنه لم ير في كل التكريمات التي  نظمت له بمختلف مناطق المغرب، مثل هذه الحفاوة والعفوية والمحبة والصدق المتبادل، ولا غرابو في ذلك ما دام تكريمه هذه المدرة كان في بلده وبين أهله وذويه.
انتهت الندوة، وكنا نحن المنظمين في غاية السرور والسعادة لأنها بلغت الغاية وحققت جميع الأهداف، حققت الهدف العلمي بالمستوى الرفيع للأبحاث الملقاة، والهدف الثقافي بجمع الناس حول الاحتفاء بالتراث والأدب والفكر، والهدف الاجتماعي بتمتين الصلات والتعارف والتواصل.
أخيرا : قال لي أحد الفضوليين يوما ( وكان منعزلا عن الناس لا يشارك في اللقاءات إلا نادرا ودأبه الاشتغال بالتأليف): إن هذه الندوات التي تنظمونها خارج الحرم الجامعي قليلة الفائدة من الناحية العلمية. أجبته: إننا في فريق البحث في التراث السوسي لا نفرط  أبدا في المستوى العلمي مهما كان، ولكننا نحرص مع ذلك على ربط الفكر والمعرفة بالمجتمع، فنخرج أنشطتنا العلمية إلى الناس ليعرفوها ويعتادوها وينتفعوا بها كل على قدر فهمه ووعيه، وإلا فما فائدة معرفة تتحصن وراء أسوار الجامعة ولو كانت في أعلى المستويات العلمية، ولا تخرج إلى الناس لتبصرهم بماضيهم وتكشف لهم حقائق حاضرهم، وتدفعهم إلى التفكير في مستقبلهم.. هذه هي المعرفة النافعة الحية، وإلا فما حاجتنا إلى المومياءات المحنطة..
مزيد من التفاصيل مع تقرير الندوة هنـــــــــــــــــا

الخميس، 6 مايو 2010

حكاية البيروقراطية....

حدثني أحد  أصدقائي الموظفين في إحدى الإدارات، قال:"  كانت هناك نملة تعمل في إدارة، وكانت نشيطة متحمسة في عملها، تعمل بجد واقتدار ومهارة في كل ما أوكل إليها من الإدارة المركزية، وتنجز مهامها بكل جدارة وإتقان وفي أسرع الأوقات، مما استرعى انتباه رؤسائها، فقرروا المحافظة على وتيرة العمل عندها ودراسة كيفية عملها، فأرسلوا صرصورا كسولا  ليراقبها ويرفع تقارير متواصلة عنها، تسلم الصرصور عمله الجديد وكان عليه أن ينجز في كل يوم تقارير إحصائية لأعمال النملة، وطريقة اشتغالها، ويقوم برقنها وإرسالها إلى الإدارة المركزية، ولما كانت النملة نشيطة استعصت عليه مجاراتها، وبعد مدة قرر أن يطلب موظفا جديدا لمساعدته، وشيئا فشيئا تكاثر الصراصير والخنافس ما بين من ينجز التقارير ويرسلها ومن يقوم على خدمته وإعداد الشاي والقهوة،ومن يقوم بشراء لوازم المشروبات وإعداد صفقات الشراء..وإحضار الجرائد  وتوزيعها على الموظفين... واحتاجت النملة إلى اقتطاع جزء من الوقت الذي كانت تصرفه في القيام بمهامها للإجابة على أسئلة الموظفين المحيطين بها فيما يتعلق بعملها، كما كانت مضطرة في كل مرة يعين فيها موظف جديد أن تترك عملها وتتفرغ لإخباره بطرق الاشتغال وحيثيات الإنجاز ، فأدى ذلك  إلى تناقص وتيرة عملها، ولفت ذلك نظر الإدارة المركزية التي سارعت إلى إرسال لجنة من الخنافس لدراسة الوضع. حلت اللجنة بالإدارة وبقيت عدة أيام لتقييم الحالة ودراستها، وبعد تحليل مستفيض خلصت إلى أن المسؤول الأول والأخير عن تراكم الأشغال هو النملة، فحررت تقريرا مطولا أرسلته إلى المدير المركزي الذي بنى عليه قراره النهائي بطرد النملة من العمل، لأنها لم تعد تنجز الأعمال المطلوبة في الأوقات المحددة..."

الأربعاء، 28 أبريل 2010

المكتبة العياشية في الرباط.

حضرت مؤخرا ندوة علمية مهمة بدعوة من المكتبة الوطنية بالرباط حول المكتبة العياشية، شارك فيها ثلة من الباحثين والمهتمين أدلى كل واحد منهم بدلوه في الحديث حول هذه المكتبة وحيثيات إنشائها وتطورها وتنظيمها ومحتوياتها المخطوطة  النادرة، وتأتي هذه الندوة في سياق اهتمام جديد بهذه المكتبة المستقرة في قلب جبال الطلس الكبير الشرقي في منطقة الرشيدية، في الوقت الذي عملت وزارة الأوقاف على بناء مقر جديد بمرافق ثقافية وعلمية مهمة، وتوقيع المكتبة الوطنية اتفاقية للصيانة والرقمنة.
ولقد سررت بهذه الدعوة الكريمة التي وجهت إلي للمشاركة في أعمال هذا اليوم، وكانت الندوة ناجحة بكل المقاييس فقد كان عدد المحاضرين محدودا، وكان جمهور المتابعين على قدر كبير من الدراية والمتابعة، تجلت في النقاشات الغنية التي أثاروها والإضافات الثرة للعروض المقدمة، كما كان التنظيم محكما ودقيقا بهمة الأستاذ الدكتور الحسن تاوشيخت مدير قطب التدبير والمحافظة بالخزانة الوطنية.
لقد تجسد في هذه الندوة ذلك التلاحم المتين بين التراث وأنصاره ومحبيه أولائك الذين يقدرونه ويعرفون قيمته في نهضة المجتمع وترشيد تنميته والحفاظ على قيمه العريقة، وبين مختلف الهيئات المسهمة في تنظيم هذا الملتقى من معاهد ومؤسسات حكومية مركزية ومجالس جهوية وجماعات محلية.
كما تبلورت خلال هذه اللقاء مفاهيم دقيقة للتراث المغربي والعلاقة بين تنوعه الغني وأصالته المبدعة، وبين اختلاف لغاته وألسنته، ووحدة المجتمع الذي نشأ فيه وتطور، وقد بدا وكأن هؤلاء الباحثين - خاصة الذين تعرضوا لجذور هذا التراث وأصوله - وكأنهم اتفقوا على أن هذاالتنوع دليل الوحدة التي جسدها المغاربة في عنايتهم بالعلم واحتفائهم باللغة العربية، وعدم تفريطهم في لغاتهم المحلية الأمازيغية وغيرها، وتشبتهم بالعقيدة الإسلامية والشرع الحنيف، وارتباطهم بالشرعية، ومن نادر المصادفات أن هذا التصور الشامل العميق الذي صدر عنه الباحثون المشاركون، سبق إلى الإشارة إليه والتوطئة له الأستاذ إدريس خروز مدير المكتبة الوطنية في كلمته المتميزة في الجلسة الافتتاحية للندوة.
لقد كانت هذه الندوة فرصة جديدة لإبراز جانب مهمل من حضارة المغرب وإبداعه وإخلاصه للعلم والمعرفة والثقافة والفكر، هذا الجانب الذي تمثله المكتبة العياشية، رجائي الحار أن ياتفت إلى باقي مراكز المعرفة في المغرب إلى المكتبات الخاصة التي تشهد نزيفا يوميا للتراث المغربي نحو بلاد أخرى تعاني الجفاف وتريد أن تستر عورتها التراثية باستجلاب وادعاء التراث المغربي الذي يأبى وهو في هذه الغربة المميتة إلا أن يبرز هويته وانتماءه من خلال مضامينه وخطه وزخارفه وتوقيعات النساخ والملاك.. فهل ننتبه إلى هذا التراث الغني قبل فوات الأوان ؟؟..
في ختام هذا اللقاء العلمي الثري طرحت بعض التوصيات منها عقد لقاء جديد بالزاوية نفسها بعد تجديدها، وطبع أعمال هذه الندوة العلمية ضمن منشورات المكتبة الوطنية..
قريبا بحول الله سأتيح الاستماع إلى كافة عروض الندوة في هذه المدونة، بعدما قام بتسجيلها الأخ الكريم الأستاذ لحسن أيت الفقيه وأتحفني بأريحية وسخاء بنسخة منها، فله جزيل الشكر والتقدير.
والسلام
رابط برنامج الندوة


السبت، 17 أبريل 2010

ندوة العلامة امحمد بن علي أكبيل الهوزالي

الحاضرون في الجلسة الافتتاحية للندوة( تصوير يوسف أمين)

يسر لي الله سبحانه وتعالى المشاركة في ندوة العلامة امحمد بن علي أكبيل الهوزالي التي نظمها فريق البحث في التراث السوسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير بتعاون مع المجلس العلمي المحلي لتارودانت وجمعية تمونت إندوزال، وقد كان الإعداد لهذه الندوة الوطنية قد بدأ منذ عدة شهور واستغرق جهودا وتنسيقا بين الأطراف المنظمة، غير أنه  - والحمد لله - كان ميسرا بسبب وعي كل الأطراف المشاركة وفهمها لأبعاد الندوة وأهدافها، مما أدى إلى تذليل كل الصعاب وتجاوزها، فمرت الندوة في أحسن الظروف والأحوال، وتمكن غالب المدعويين من الحضور ..
نظمت الندوة بمنطقة إكبيلن بقبيلة إندوزال التي تبعد عن مدينة تارودانت  حوالي 50 كلم، كانت أجواء الحماس ونسمات الربيع تتعانق في الخيمة الفخيمة  الضخمة التي ضمت المشاركين جميعا  ( تتسع لحوالي 1000 مقعد) وكانت ذكرى العلامة امحمد بن علي أكبيل تشع على الجميع محبة وألفة وبهجة وسرورا، والحديث عن حياته ومنجزاته العلمية والتعليمية تثير لواعج النفوس وكوامن الصدور، وبين الحين والأخر تسمع ترنمات بعض الحاضرين بمقاطع من الحوض أو بحر الدموع..
كانت هذه الذكرى الفريدة فرصة لتذكر جانب منسي من التراث المغربي الثري، ذلك هو التراث الأمازيغي السوسي ( بلغة تاشلحيت) الذي ضم جهود السلف الصالح من علماء المنطقة في ترجمة العلوم الشرعية إلى لغتهم اليومية،  ذلك أن هؤلاء العلماء هم رواد مجتمعاتهم، قد ذاقوا ما في فهم الإسلام وإخلاص العبادة لله وحده من أمن وسلام، ورغبوا - بما فيهم من خصال الإيثار والمحبة - أن يقربوا لإخوانهم وجيرانهم وأقاربهم هذا الخير الذي وقفوا عليه، وهذه النعمة التي اطلعوا عليها، فشمروا عن ساعد الجد وتفرغوا للعمل المضني، فأثمرت جهودهم، وأخرجوا إلى بني جلدتهم عشرات الكتب والمنظومات  حول الإسلام عقيدة وشريعة وفقه ومعاملة وسلوكا وتربية، يسرت العسير وقربت البعيد وأدنت النائي، ولم يتحقق ما نراه في السلف من قيم المحافظة على الصلاة والاعتزاز بالعقيدة والتزام أوامر الله سبحانه وتعالى واجتناب نواهيه، إلا من عمل هؤلاء المؤلفين ومن سار على هديهم من الوعاظ والدعاة الذين حفظوا هذه الترجمات واستظهروها وأنشدوها في المساجد والزوايا والمدارس والمواسم والمناسبات، فوصلت ترانيمها إلى الآذان وتغلغلت معانيها في النفوس، ومست شغاف القلوب الساهية اللاهية فأيقظت منها العزائم وأحييت فيها الهمم، فأثمر ذلك كله عملا صالحا بنّاء وإنجازات عظمى شهدها التاريخ وشهد لها، حتى بلغ المغاربة في التدين ما عرفه القاصي والداني وقيده الرحالة والإخباريون في مدوناتهم وسارت بذكره الركبان.
نسخة من مخطوط الحوض للعلامة أكبيل  من معرض الندوة ( تصوير إبراهيم أمزيل)

تذكرت هذا كله وأنا أفكر في أول عهدي بالكتاب، كتاب الحوض، كنت آنذاك فتى مراهقا، وقد طبع الجزء الأول منه بعناية المرحوم عبد الرحمان الجشتيمي الرحماني سنة 1977، وقد اقتني والدي حفظه الله نسخة منه فأخذتها وحاولت قراءتها وتتبع حروفها المستعصية عليّ في البداية، وصرت أتلو من بداياتها حتى حفظت مقدمته منذ ذلك الوقت وظلت راسخة في ذاكرتي حتى الآن، كما كنت أتردد على أحد "الطلبة" - وقد توفي منذ زمن رحمه الله - وكان بقالا فسألته عن "الحوض" مرة فوجدته يحفظ بعضه فكنت أحاول مسابقته في الاستظهار.. فكان لذلك وقع عجيب في نفسي واكتشاف بدا لي غريبا وقتها، ثم عدت إلى الكتاب مرات ومرات خاصة عندما ساقتني القدرة إلى تراث سوس دارسا وباحثا، فاطلعت على مؤلفات أخرى للعلامة أكبيل مثل تنبيه الإخوان إلى ترك البدع والعصيان وكتاب بحر الدموع..فوجدت الرجل سنيا متمسكا بمنطوق السنة لا يحيد عنه، وخبيرا بأوضاع مجتمعه وأمراضه  وكيفية مداواتها، ولا أنسى هنا كذلك بعض ما أثارني في مؤلفات هذا العلامة المخلص، ذلك هو اهتمام المستشرقين به، وكنت قد وقفت على نشرة لبحر الدموع بخزانة المجلس العلمي لمدينة تزنيت نحو سنة 1991 نشرها أحد المستشرقين بمدينة ليدن بهولندا. 
وأمر آخر تجلى لي في هذه الندوة المباركة - التي صادفت يوم الجمعة المبارك- وهو قيمة التعاون، فقد تعاونت جهات كثيرة في التنظيم وتآزرت جهود المحسنين المسهمين بالمال، والعلماء والباحثين المشاركين بما عرفهم الله من علم وفكر، وأصحاب السلطة بما في أيديهم من سلطة الأمر والنهي والاستشارة والتطبيق، وخبراء التنظيم بما عرفوا من تدبير وتقدير، وكل الحاضرين بما فيهم من نية حسنة ومحبة للعلم والعلماء ورغبة في مجالس الخير، فكانت هذه الندوة مثل  روضة غناء حافلة بأنواع الورود والأزاهير مختلفة الألوان والروائح العطرة الطيبة والثمار المختلفة، لا يخلو من دخلها من فائدة يجنيها، إما من طيب الرائحة أو جمال اللون، أو نافع الثمار أو لذيذ العسل، أو عذب المياه الصافية الرقراقة.. 
ولعل اكثر ما أثار الحاضرين وأشجاهم منظر الفتية الصغار من قرية أنيّ بإندوزال - غير بعيد عن مدرسة إكبيلن - وهم يترنمون بأصواتهم الطفولية البريئة - في ختام الجلسة الافتتاحية - بباب الطهارة من منظومة الحوض، ترنما نغميا مؤثرا مجسدا لما في هذه المنظومة العلمية من مضامين سديدة وما عرضت فيه من قالب إيقاعي مناسب وما ورد فيها من معان وعظية تخاطب القلب والوجدان معا وتؤثر في العقل والفؤاد لتهزهما هزا عنيفا تارة أو خفيفا حانيا تارة أخرى، لعل القلب يخشع والعقل يخنع لما أراد الله له من هداية وتوبة.
هذه مشاعر تحس ولا تشرح ولعل مشاهدة بعض صور الندوة والاستماع إلى ما ورد فيها من عروض وبحوث وإنشادات يقرب الصورة ويجعلها في متناول العين والفهم..وهذا ما نرجوه قريبا في موقع الندوة على الشبكة، وإلى لقاء قريب بحول الله والسلام عليكم.

السبت، 27 مارس 2010

كتاب جديد صدر

إن من نعم  الله تعالى على المغرب اهتمام الأجيال الجديدة بالتراث واحتفاء العلماء والمثقفين بإخراج ذخائره الثمينة من كتب ووثائق ونصوص، وهذه الذخائر تمثل هوية الأمة ومكونات بقائها وخصائصها الحضارية والنفسية، ومدارها كلها حول العقيدة الإسلامية السمحة وحول الدين والشرع الحنيف، فهو الذي يكون الأساس الذي انبثقت منه روح الحياة عند المسلمين، وبرزت قوة الإبداع والخلق، وفطنة الإنتاج والتطوير والتنمية،ولا يمكن للأمة أن تعود إلى سابق مجدها ما لم تتجه النيات لخدمة هذا التراث بوصفه وسيلة للنهضة وطريقة للتفكير وواسطة للإبداع، غير أن هذه العناية لابد أن تكون برؤية روية وتفكير عميق، يتبين الطريق ويستغل الإمكانات. وما من شك أن التراث لا يصلح كله، بل فيه - لأنه نتاج بشري يحتمل الخطأ والصواب بحسب قربه من روح  الوحي أو بعده عنها - ما لا يصلح من مكونات دخيلة وأفكار منحرفة، وفيه كذلك كنوز مشعة ومعادن ثمينة تصلح للبناء والتشييد.
ولذلك كله لابد لنا من العناية بتراثنا المغربي، عن طريق العناية بتراث جهات وطننا، وتنافس الباحثين في كل منطقة في التحقيق والنشر والطبع، ومن حصيلة هذا النشاط سنعرف تراثنا المغربي على حقيقته، وهي حقيقة نعرف والحمد لله عمومها، ولا تنقصنا إلا التفاصيل..
وإن مما يسر البال ويريحه أن نرى الكتب تترى في منطقة سوس، فتصدر كتب حول الأعلام والمدارس.. وكتب مخطوطة اشتهر ذكرها وقل من رآها أو طالعها إلا من الباحثين المتخصصين، فكأنها الهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه، ومن هذه الكتب " الحضيكيون" لأبي زيد عبد الرحمان الجشتيمي ( ت 1269هـ) في التعريف بالشيخ الحضيكي وتلامذته، وهو سفر جليل وعلق ثمين، قل أن تجود به سوس وغير سوس من البوادي والحواضر،قال عنه العلامة محمد المختار السوسي: "ثم جاء عبد الرحمان الجشتيمي بعد الحضيكي، فجمع أصحاب الحضيكي ومعاصريهم جمعا حسنا، وقلمه أعلى من نفس كل السوسيين المؤلفين قبله، لمكانته في الأدب، وقد سميناه ''الحضيكيون'' 
جمع المؤلف في الكتاب أعلام زملائه في الأخذ وحرر أخبارهم وذكر ما وقف عليه من سيرهم وما مهروا فيه من العلوم، وفائدة الكتاب في مجال التاريخ غير خفية، وكذلك في مجال العلم والأدب والسياسة والفكر والتربية..
هذا الكتاب صدر بمجهود حثيث للمجلس العلمي المحلي لمدينة تارودانت حاضرة سوس، بهمة رئيس المجلس أستاذي الدكتور اليزيد الراضي، الذي جمع أعضاء المجلس على تحقيق الكتاب وضبطه وإخراجه في حلة قشيبة تسر العين والقلب، وتشفي غلة الباحث المنتهي والطالب المبتديء، وتيسر الاطلاع على تاريخ المنطقة ورجالاتها وأعمالهم حتى يُتبين كيف كان السلف رحمهم الله همة وفضلا وإيمانا وصلاحا، وكيف ينبغي أن يكون الخلف دراسة وفهما واتباعا، ونظرا في الوحي لمعرفة الحق به وأخذ ما يصلح من ميراث الأجداد وطرح ما لا يصلح، هذا ما يستفاد من هذا الكتاب الذي صدر منذ أيام ضمن منشورات المجلس العلمي المحلي لتارودانت في 184 صفحة من القطع المتوسط بما في ذلك الفهارس، وضم 74 ترجمة، غالبها غير مذكور في أي كتاب آخر.. والله الموفق، والسلام

الاثنين، 8 مارس 2010

كتاب جديد..



لا تفتأ حركة التأليف مستمرة بدون انقطاع، مختلفة الأشكال والأنواع والمضامين، معبرة عن تطلع الإنسان إلى المعرفة، والمزيد من المعرفة لذاته ولغيره وللكون، وإذا استطاع الإنسان أن يعرف كثيرا من أسرار الطبيعة من حوله فبلغ عنان السماء بل تجاوزه، ونزل إلى أعماق الأرض وغاص في أعماق البحار، وتجاوز الأعماق الممكنة فأناب الآت واطلع على الأسرار المخبوءة عن عينيه، فإنه عجر عن إدراك كنه نفسه وأسرار ذاته وخبايا مجتمعه، لأنه عاجز ضعيف عن إدراك تلك الخفايا لا يسعفه عقله مهما تجبر ولا تنصفه حواسه ولو تقوت بالآت والأدوات..
وفي سياق تأمل الذات ومعرفتها اشتغل الناس قديما بدراسة الأعلام وتأمل حياة العظماء لاستشراف أسباب تفوقهم على غيرهم وبروزهم في عصرهم وسطوع شموسهم حين كسفت نجوم غيرهم..ولاشك أن هذا الباب من أجلّ أبواب التأليف لأن منه تؤخذ العبر وتستشف الفوائد، فما انتفع الانسان بأفضل من النظر إلى حياة غيره وما اتعظ بأفضل مما وقع لمثله من بني جنسه، لذلك حفل القرآن الكريم بقصص السابقين من الصالحين او الطالحين، من الأتقياء المهتدين أو الأشقياء الضالين ..
في ظل هذا التصور نعرض اليوم لصدور كتاب جديد من منشورات فريق البحث في التراث السوسي الذي يشتغل في مجال النبش في التراث الجهوي لمنطقة سوس منذ ست عشرة سنة خلت، ذلك هو كتاب الحاج الحبيب البوشواري، هذا العلم العالم المعمر المشهور بجهاده للاستعمار الفرنسي، وصبره على التعليم لمدة تزيد عن السبعين سنة، تخرج عليه فيها أجيال من العلماء والفقهاء جيلا بعد جيل، وقد تميز بميزات كثيرة لعل أبرزها صلاحه ولطفه وسعة أخلاقه وزهده في متاع الدنيا ونصحه الناس وتمسكه بالسنة ونبذه البدعن وحرصه على وحدة المجتمع، وأسلوب اللطيف في الإرشاد والتوجيه، وأفضل من وصفه معاصره العلامة محمد المختار السوسي، حين قال عنه

:" العلامة الجليل، الشيخ البركة النفاعة الصالح المدرس طوال عمره ..فذ غير مشَارك بين الحياء أمثاله في خصال شتى، فقد كان من طبقة كانت تخُبّ وتضع في عمارة مدارس جُزولة .. يستفرغ جهوده في الإكباب على التدريس، لا شغل له ولا همة إلا في ذلك، فلا مال ولا أوراد، ولا تشوف إلا لنفع الطلبة تعليما وإعانة وتهذيبا وتموينا.. إنني انظر إلى فذ قلما يوجد له نظير في أقرانه، وسيكتب عنه تلاميذه النجباء، وسيخلد ذكره منهم الشعراء" ( المعسول17/282)

وبعد، فقد عاش العلامة الحاج الحبيب 118 سنة توفي بعدها سنة 1397/  1977 وها قد مرت أزيد من ثلاثين سنة على وفاته وقد صدّق القدر العلامة السوسي فألف عنه تلاميذه ثلاثة كتب منهتا المطبوع والمرقون والضائع ، وخلد ذكره الشعراء في هذا الكتاب وغيره، وبقي ذكره عذبا تستلذه ألسن الذاكرين وآذان السامعين، رحمه الله تعالى وأسبل عليه المغفرة و الرضوان.

صدر الكتاب ضمن منشورات فريق البحث في التراث السوسي بكلية الآداب بأكادير بدعم من المجلس البلدي لمدينة بويكرى سنة 2009، وستصدر الطبعة الثانية من الكتاب في خضم السنة الجارية بحول الله تعالى وقوته.







الخميس، 25 فبراير 2010

تقنيات التعليم عن بعد وآفاق تدريس القرآن الكريم وعلومه



نشرت لي مجلة التاريخ العربي مقالا بعنوان " تقنيات التعليم عن بعد وآفاق تدريس القرآن الكريم وعلومه" وهو يعالج موضوع تدريس القرآن الكريم وعلومه اعتمادا على تقنيات التعليم عن بعد، التي تفتح مجالا عظيما لنشر المعرفة وتطوير المجتمع وإخراج الإنسان المسلم الصالح، إذا استغلت كما ينبغي، وكان وراءها تخطيط واضح وتصور دقيق ونيات حسنة، فما أجدر الأمة اليوم أن تراجع نفسها وتستغل فرصة هذه الوسائل العظيمة التي تتيحها التقنيات الرقمية لإصلاح ما فسد وإحياء موات الفكر وبث الحماس في النفوس، وتأسيس عهد جديد لنهضة معرفية شاملة تبدأ من محو الأمية وتنتهي إلى تسديد الدراسات العليا المتخصصة مرورا بتفقيه الناس عامة في شؤون عقيدتهم ودينهم ومعاملاتهم، إننا في عصرنا في حاجة لمشروع معرفي للنهضة مثل المشاريع الحثيثة في الولايات المتحدة المريكية وفي أوربا وفي اليابان والصين..إننا ونحن نشتغل بقشور التقنيات وبريقها التافه حينما نعتني بمتابعة أخبارالهواتف المحمولة والشاشات الرقيقة الدقيقة واللهث وراء الجديد في مجال الاستهلاك المادي الكمالي التفاخري، لا نلتفت إلى مجالات أخرى ينكب عليها الغرب والشرق الأقصى مجال نشر المعرفة العلمية والفكرية عبر موجة من الابداع في وسائل القراءة والتواصل المعرفي مثل الكتب الرقمية ( ebook reader)والهواتف الذكية القادرة على عرض النصوص، واللوحات الشبكية، وآخرها ابتكارا لوحة ipad من شركة إيبل، وبينما تحتذم المعركة بين مختلف الشركات في هذا المجال الخطير، مجال يرمي لاستيعاب وعرض أكبر عدد من النصوص والكتب والمجلات والموسوعات في جهاز خفيف الوزن رائع التصميم جميل العرض ( انظر مثلا موقع www.ebouquin.fr الفرنسي) وتتصارع الشركات على عرض أفضل التقنيات للشاشات ولتحويل الخطوط اليدوية إلى مطبعية ولزيادة سعة التخزين، بينما يجري كل هذا حولنا في العالم؛ لا نكاد نجد مجلة عربية او موقعا تقنيا يهتم بهذا المجال ويسأل عن مكان العربية في هذا الخضم التقني الفكري واللغوي، لم أجد أحدا يسأل: هل يعرض قارئ كيندل من شركة أمازون اللغة العربية؟ كيف يتعامل قارئ شركة سوني مع لغة القرآن؟ ماذا أضافت لوحة إي باد؟؟
إن غيابنا عن هذا المجال حتى من ناحية الاستهلاك يظهر إلى أي مدى نحن متخلفون بالفعل، إننا لا نذكر هذه الأجهزة العتيدة التي توفر 1500 إلى 2000 كتاب في جهاز صغير لا يزيد وزنه عن 400 غرام مع إمكانية تسجيل الملاحظات والبحث ..يعني أننا لا نهتم بالقراءة، والغربيون يهتمون بهذه الأجهزة ويعملون على تطويرها لأنهم أمة تقرأ وتستهلك الكتاب بأي صيغة كان؟ وحتى الصين صارت شركاتها تفكر، بل عملت بالفعل على صنع اجهزتها الخاصة وصارت تخطط لنشرها في مدارسها وجامعاتها، لتقتصد في استهلاك الورق وتحافظ على بيئتها، وعملتها الصعبة التي تنفق لشراء الورق..
إن هذه الحالة تدعونا للتفكر والتدبر والعودة إلى كتاب الله تعالى لندرسه ونتدارسه ونجعله وسيلة للرقي بمجتمعاتنا لتصير مجتمعات معرفة وعلم وعقل، لا مجتمعات الخرافة والإشاعة مجتمع القيل والقال وكثرة السؤال، وهو ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم.
ختاما أتذكر حكمة قالها أحد حكماء العصر: " الغرب يقبل على المعرفة ونحن ندفع ّإليها" أترككم مع البحث المطول، والسلام

الثلاثاء، 16 فبراير 2010

ندوة الصحابة الكرام في التراث المغربي والأندلسي.

صورة جماعية للمشاركين في الندوة الدولية.
احتضنت مدينة طنجة "العالية"  يومي الأربعاء والخميس 25-26 صفر 1431هـ الموافق 10-11 فبراير 2010م ندوة دولية علمية في موضوع الصحابة في التراث المغربي والأندلسي، وقد جاءت هذه الندوة لتدرس هذا الموضوع الهام وتتيح المجال لإبراز إسهام المغاربة عموما في الإحتفاء بصحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتبجيلهم ومحبتهم وتقديرهم لأنهم الأسوة الحسنة للمسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم سلف الأمة الذين وصلت الوحي قرآنا وسنة عن طريقهم فبلغوه وبشروا به،

 قد شارك في هذه الندوة المباركة طائفة من الأساتذة والباحثين من مختلف بقاع المغرب، ومن دول المغرب من تونس والجزائر وليبيا ومن بلاد الشرق من المملكة العربية السعودية. وتناولت البحوث التي ألقيت جوانب منوعة من تآليف المغاربة والأندلسيين حول الصحابة في التعريف بهم وتسجيل آثارهم وذكر من دخل منهم المغرب ومن استقر ومن عاد إلى الشرق، وتفصيل القول في انواع التصنيف حولهم تأريخا وتوثيقا وشعرا ونثرا، سجالا ومناظرة. وقد ظهر من خلال كل ذلك دوام محبة المغاربة والأندلسيين لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم إذعانا لما جاء به الوحي واقتضاه اتباع السنة والعمل بها، كما أبرزت هذه البحوث ضرورة العناية بهذا الموضوع في الوقت الذي تعمل فيه جهات غربية وشرقية على التنقيص من سلف الأمة الصالح والمصلح تمهيدا للتشكيك في نزاهتهم وعدالتهم التي نص عليها الوحي، وقطع صلة الأجيال بنهجهم واقتفاء أثرهم، وتوجت هذه الندوة بالإعلان عن إنشاء مركز عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين ويكون مقره مدينة طنجة، يعمل على جمع الجهود وتنظيمها في مجال الدراسات حول الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
وقد كانت جلسات الندوة على طولها، وبحوث المشاركين مع كثرتها ممتعة شيقة لا تتعب المتابع ولا تثقل عليه، فكنا نستمع ونستمتع ونتأمل ونتملى في جو روحاني طيب هاديء ننتقل فيه بين جلسات البحوث وبين أوقات الصلاة وخلال ذلك نحادث من نلاقيه من الإخوة الباحثين، نتبادل الرأي والفكر،ونتعارف ونتآلف، فكان العلو في هذه الندوة علو المكان وهي مدينة طنجة، العالية بجغرافيتها، وبأخلاق أهلها التي وصفها شاعر الحمراء بأنها كالمسك في أرج، وبكرمهم الجمّ وطيب السريرة، وعلو الموضوع: موضوع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعلو همة المنظمين الرابطة المحمدية للعلماء بدءا بأمينها العام الأستاذ أحمد العبادي ثم رئيس مركز الدراسات والأبحاث الأستاذ الزميل العزيز عبد اللطيف جيلاني، ثم المشتغلين معه من الشباب المجد النشيط الباحث المتسم بالحماس الشديد والأدب الجم، ومما زادني تقديرا لهذه الثلة الكريمة من الشباب مشاركتهم في الندوة ببحوث علمية لا تقل عن غيرها مما شارك به الأساتذة المميزون من دكاترة الجامعة المغربية، مما يجعلنا نتوسم فيهم الخير ونرجو لهم مزيدا من التألق والتوفيق.
لقد أجتمعت لهذه الندوة المباركة أسباب النجاح،  فتكللت به في كل الجوانب في التنظيم والبحوث.. كما ظهرت بركتها في الإعلان عن مركز آخر هو مركز ابن أبي الربيع للدراسات والأبحاث اللغوية، فالله تعالى نسأل أن يكلل جهود العاملين في هذا المجال بكل خيرن ويوفقهم لمزيد من النجاح للنهوض بفكر الأمة وإعادة مجد المغرب إلى سابق عهده يوم كان يحمل لواءه أمثال القاضي عياض، والشيخ زروق والونشريسي وابن البناء وابن سليمان الروداني والإمام اليوسي وعبد الله كنون وابن سودة.. فرحم الله هذا السلف الماجد ووفق حفدتهم للسير على آثارهم وإقتفاء السبيل التي ساروا فيها.

الخميس، 4 فبراير 2010

واحر قلباه من فراقك يا مولاي الحسين...










أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام

مشاركة الأستاذ مولاي الحسين في ندوة نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء.










مناهج الاستمداد من الوحي

بحث للأستاذ مولاي الحسين ألحيان: قضايا الأعيان والاستمداد من الوحي النبوي



تلقيت بحزن وأسى بالغ نبأ وفاة صديقي وأخي العزيز مولاي الحسين ألحيان، فكانت مصيبة اهتزت لها النفس ودمعت العين وخفق القلب وخشع الوجدان، فيا لها من مصيبة عظيمة وكرب عميم، كنت قد هاتفته قبل أسابيع قليلة، قبل أن يدخل عزلته التي فرضها عليه المرض، ما كنا نظنه مرضا شديدا، وكنا نأمل أن يخرج إلينا مولاي الحسين بعد أسبوعين أو ثلاثة وقد استرجع عافيته، واستراح من الإرهاق الذي كان يعاني منه، ويستقبلنا بابتسامته المعهودة وعتابه الخفيف حينما نبطيء عليه، ثم يسألنا عن المشاريع والأعمال ما انجز وما لم ينجز..
كان مولاي الحسين شعلة حماس، وجذوة شغل، وينبوع معرفة، ومنهل صلاح،  وكيف لا يكون كذلك وهو من سلالة آل البيت الكرام رضوان الله عليهم.
كان مولاي الحسين ممن عرفوا قصدهم فساروا إليه، وفهموا عصرهم فانتهزوا فرصته، وأدركوا وظيفتهم فقاموا بها، فكتب ودرّس وحرر وألف وأشرف وناقش وربى وخرّج.. قاصدا وجه الله وخدمة العلم الشريف، والوفاء بما كان عليه السلف الصالح من علماء الأمة وربانييها، فرضي وفاز أرضاه الله ورضي عنه.
وقد بلي مولاي الحسين بالخاملين الكسالي من كل نوع أعداء النجاح، وخصوم العمل، ومكافحي الحماس ممن جعلوا اليأس ديدنهم والتواكل صفتهم والمكر والخداع سبيلهم، فوقفوا بكل سبيل سلكها، ومكروا بكل خير سار إليه، ونهضوا إلى كل شجرة غرسها ليأكلوا ثمرها بلا إذن، وإلى كل راية علاها ليلوحوا بها بدون وجه حق، وإلى كل بذرة غرسها ليدعوها بلا ذريعة، فصبر على ذلك وقد عرف طريقه، وأعلن لهم السلام وقد قرأه في اللوح صغيرا وفهمه في التفسير كبيرا، وسار بفرسه غازيا جيوش الجهل لا يلوى على شيء والقلم في يده ينضح فكرا ونورا ومعرفة، يملأ بها الطروس ويسود الأوراق، فسار وسار حتى أرهقه العمل والجهد فترجل عن فرسه تاركا لجامها لمن يحسن ركوبها من زملائه وتلامذته...
ذلك هو مولاي الحسين ألحيان شعلة وضاءة في سماء الفكر المغربي، ستذكره مقاعد الدراسة بالإخلاص واليقين في العمل، وتذكره أوراق الكتب بالإتقان والإجادة، وتذكره ميادين الندوات بحسن الإفهام ومتعة الحديث، ويذكره شيوخه بالبرور وحسن الصحية، ويذكره تلامذته بصلاح الأبوة والرأفة والحدب، ويذكره زملاؤه بصفاء السريرة وحسن المعشر، ويذكره جيرانه بجليل الاحترام والصيانة، ويذكره إخوانه وأهله بكريم المعاملة والإكرام، ويذكره معارفه بحسن العهد ودوام التعهد والزيارة..
فيا أيها الصديق العزيز الذي غادرنا، أتدري كيف تركتنا من وراءك حيارى مذهولين، وصرنا بعدك كطفل صغير أضاعته أمه وسط زحام سوق كبير، أتدري أن فراقك احرق الأكباد وألهب المشاعر وأسال الشؤون؟ ها أنت ذا قد لقيت ربك - إن شاء الله راضيا مرضيا- وها نحن من خلفك كلنا لوعة وأسى، فكيف نبكيك؟ وكيف نرثيك؟ وكيف نقوم بحقك بعدك؟ أترانا نبقى على عهدك سائرين محتفلين بوديعتك التي تركتها بيننا؟؟ أترانا نسير في السبيل التي اخترتها؟ أترانا نصبرك مثل صبرك؟ أترانا يملؤنا حماس مثل حماسك؟ اترانا نقوم بحق العلم والخلق كما قمت بهما؟ أترانا نحافظ على الحماس في وجه المثبطين الكسالى ؟ أترانا نسير على السبيل نفسها التي سرت عليها؟ وصبرت وصابرت؟
كان الله لنا ولك، ورحمك الله رحمة واسعة وأفاض عليك من عفوه بركات وبركات، وجعل مع من أحببتهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وبوأك منزلك في الفردوس إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستيشرا مسرورا بما قدمت وبرحمة الله لك، وبحميد سيرتك وجميل فعلك، وألحقنا بك صالحين غير مخزيين ولا مفتونين، وأصلح ذريتك وبلغها ما كنت تريد لها من صلاح ورشاد وألهمنا وذويك ومحبيك الصبر على فراقك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم