الأربعاء، 15 أبريل 2009

أهمية المعرفة اللغوية في سلامة تحقيق النصوص التراثية

هل يمكن أن نقرأ التراث ونستفيد منه علميا وعمليا دون ضبط لغته؟ هل يمكن أن نخرج هذا التراث محققا موافقا لمقاصد مؤلفيه بلا معرفة لغوية مناسبة؟ لماذا تعج الساحة العلمية بكتب تحمل لقب التحقيق وهي بريئة منه؟ هل ذهب عهد المحققين العظام ؟
هذه محاور يطرحها المقال ويبحث لها عن إجبابات شافية لعلها تنير الدرب للباحثين والطلبة وتضعهم على السبيل القويمة لفهم التراث والاستفادة منه.

أهمية المعرفة اللغوية في سلامة تحقيق النصوص التراثية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لماذا الخبب؟

الخبب في اللغة نوع من العدو، قال الفرزدق:

يقطعـن كـل مـدى بعيـد غولـــــه

خبــب السبــــاع يقــــدن بالأرســـــان

أما اليراع فهو القصب، ومنه كان يصنع القلم قديما للكتابة بالصمغ، فسمي به وحمل اسمه، قال الشاعر احمد شوقي:

ومـن شرف الأوطـان ألا يفوتهــــا

حســام معـــز أو يــــراع مهـــــذب

ولكن هل يصح اليوم في هذا المقام الذي نكتب فيه أن نتحدث عن اليراع وقد اختفى من أنامل الأجداد فضلا عن الآباء وصار زينة المتاحف، إلا ما ندر فلا يكاد يوجد إلا في كتاتيب القرآن او مدارسه، يكتب به الحفاظ المعلمون على ألواح التلاميذ. وليس هناك اليوم إلا تكتكات مفاتيح لوحة الكتابة الحاسوبية، وخبب مؤشر الكتابة على الشاشة يجري يمينا ويسارا، ويقفز علوا وهبوطا، عارضا الأحرف وهي تلتصق ببعضها لتبدي كلمات مفهومة وجملا متناسقة، أو فاصلا بينها بالبياض حتى لا تختلط المعاني وتتداخل الألفاظ. فإذا بالفقرات تتوسع والصفحات تمتليء، فيأتي دور التنسيق والقص واللصق والتصحيح والتزويق.
ولكن هل ذوى عصر اليراع وورثته الطابعة، هل غابت شمسه وراء أفق التقنية الواسع فلا نستطيع إعادة عهده إلا بالذكرى، كما قال الشاعر:

حلـــم قـــد مضــــى وأيــــام أنــس

ذهبـت غيــر مزمعــــات الإيــــاب

غير أن اليراع وإن انصرم عهده، وعسعس ليله، لم يذهب دون أثر فترك للناس ما رقم في خببه، صحائف ناطقة بجمال سيره ونبيل قصده، وذلك هو تراثنا الجميل النديّ الذي لا تلهينا عنه طقطقة ولا تكتكة، ولا لوحة ولا شاشة، بل تدفعنا إلى تأمله واستلهامه وتحليله واستشراف مستقبلنا من خلاله، حتى نستطيع أن نتعلم من اليراع أن سبيل النجاح هي الخبب والعدو في مناحي الإبداع، والانطلاق إلى سماوات المعالي، أسوة بالأجداد الذين كانت هممهم تكفيهم، وأفكارهم تغنيهم، وزهدهم يدنيهم من القصد:

هِمَـــمٌ تجــــاوزت السِّمــــاكَ مكانـــةً

وعلَــــت على الجــوزاءِ والميـــــزانِ
لــم يُبلِــها مـــرُّ العصــورِ ولـم تَـزَل

مــــا عَمَّــرَت مرصوصـةَ البُنيـــانِ
تبقــــى بقــاءَ العالميـــن مَصُـــونَةً

تزهـــو بِثَــوبِ نَضـــارَةِ الرَّيعــــانِ
تلــك الكنـــوزُ الخالـــداث بــــراءةٌ

للعامليـــــن مَرَاحِــــــمُ الغُفــــــــــرانِ

تلك هي همم الأجداد أفلا نقتفي أثرها ونترسم سبيلها، ونجعل ما لدينا من وسائل سندا لإدراك ما ادركوا من غايات؟
ذلك هو السؤال وهذا ما ينبغي أن يكثر حوله نقر اللوحات والنظر في الشاشات...
وبعد، فهذا جهد مقل في مجال الكتابة، وهو إن زاغ يراعه أو أجفل فإن نيته حسنة وقصده طيب، فليكتب بين ذوي النيات إن أعوزه إدراك المقاصد:

كـــل ينـــال علـى مقــــدار نيتــه

والعاملــون علــى مقـــدار مــا عملـــوا

هذا كل ما حضر الآن، وعلى المحبة والسلام.

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 15 أبريل 2009