يسر لي الله سبحانه وتعالى المشاركة في ندوة العلامة امحمد بن علي أكبيل الهوزالي التي نظمها فريق البحث في التراث السوسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير بتعاون مع المجلس العلمي المحلي لتارودانت وجمعية تمونت إندوزال، وقد كان الإعداد لهذه الندوة الوطنية قد بدأ منذ عدة شهور واستغرق جهودا وتنسيقا بين الأطراف المنظمة، غير أنه - والحمد لله - كان ميسرا بسبب وعي كل الأطراف المشاركة وفهمها لأبعاد الندوة وأهدافها، مما أدى إلى تذليل كل الصعاب وتجاوزها، فمرت الندوة في أحسن الظروف والأحوال، وتمكن غالب المدعويين من الحضور ..
نظمت الندوة بمنطقة إكبيلن بقبيلة إندوزال التي تبعد عن مدينة تارودانت حوالي 50 كلم، كانت أجواء الحماس ونسمات الربيع تتعانق في الخيمة الفخيمة الضخمة التي ضمت المشاركين جميعا ( تتسع لحوالي 1000 مقعد) وكانت ذكرى العلامة امحمد بن علي أكبيل تشع على الجميع محبة وألفة وبهجة وسرورا، والحديث عن حياته ومنجزاته العلمية والتعليمية تثير لواعج النفوس وكوامن الصدور، وبين الحين والأخر تسمع ترنمات بعض الحاضرين بمقاطع من الحوض أو بحر الدموع..
كانت هذه الذكرى الفريدة فرصة لتذكر جانب منسي من التراث المغربي الثري، ذلك هو التراث الأمازيغي السوسي ( بلغة تاشلحيت) الذي ضم جهود السلف الصالح من علماء المنطقة في ترجمة العلوم الشرعية إلى لغتهم اليومية، ذلك أن هؤلاء العلماء هم رواد مجتمعاتهم، قد ذاقوا ما في فهم الإسلام وإخلاص العبادة لله وحده من أمن وسلام، ورغبوا - بما فيهم من خصال الإيثار والمحبة - أن يقربوا لإخوانهم وجيرانهم وأقاربهم هذا الخير الذي وقفوا عليه، وهذه النعمة التي اطلعوا عليها، فشمروا عن ساعد الجد وتفرغوا للعمل المضني، فأثمرت جهودهم، وأخرجوا إلى بني جلدتهم عشرات الكتب والمنظومات حول الإسلام عقيدة وشريعة وفقه ومعاملة وسلوكا وتربية، يسرت العسير وقربت البعيد وأدنت النائي، ولم يتحقق ما نراه في السلف من قيم المحافظة على الصلاة والاعتزاز بالعقيدة والتزام أوامر الله سبحانه وتعالى واجتناب نواهيه، إلا من عمل هؤلاء المؤلفين ومن سار على هديهم من الوعاظ والدعاة الذين حفظوا هذه الترجمات واستظهروها وأنشدوها في المساجد والزوايا والمدارس والمواسم والمناسبات، فوصلت ترانيمها إلى الآذان وتغلغلت معانيها في النفوس، ومست شغاف القلوب الساهية اللاهية فأيقظت منها العزائم وأحييت فيها الهمم، فأثمر ذلك كله عملا صالحا بنّاء وإنجازات عظمى شهدها التاريخ وشهد لها، حتى بلغ المغاربة في التدين ما عرفه القاصي والداني وقيده الرحالة والإخباريون في مدوناتهم وسارت بذكره الركبان.
نسخة من مخطوط الحوض للعلامة أكبيل من معرض الندوة ( تصوير إبراهيم أمزيل)
تذكرت هذا كله وأنا أفكر في أول عهدي بالكتاب، كتاب الحوض، كنت آنذاك فتى مراهقا، وقد طبع الجزء الأول منه بعناية المرحوم عبد الرحمان الجشتيمي الرحماني سنة 1977، وقد اقتني والدي حفظه الله نسخة منه فأخذتها وحاولت قراءتها وتتبع حروفها المستعصية عليّ في البداية، وصرت أتلو من بداياتها حتى حفظت مقدمته منذ ذلك الوقت وظلت راسخة في ذاكرتي حتى الآن، كما كنت أتردد على أحد "الطلبة" - وقد توفي منذ زمن رحمه الله - وكان بقالا فسألته عن "الحوض" مرة فوجدته يحفظ بعضه فكنت أحاول مسابقته في الاستظهار.. فكان لذلك وقع عجيب في نفسي واكتشاف بدا لي غريبا وقتها، ثم عدت إلى الكتاب مرات ومرات خاصة عندما ساقتني القدرة إلى تراث سوس دارسا وباحثا، فاطلعت على مؤلفات أخرى للعلامة أكبيل مثل تنبيه الإخوان إلى ترك البدع والعصيان وكتاب بحر الدموع..فوجدت الرجل سنيا متمسكا بمنطوق السنة لا يحيد عنه، وخبيرا بأوضاع مجتمعه وأمراضه وكيفية مداواتها، ولا أنسى هنا كذلك بعض ما أثارني في مؤلفات هذا العلامة المخلص، ذلك هو اهتمام المستشرقين به، وكنت قد وقفت على نشرة لبحر الدموع بخزانة المجلس العلمي لمدينة تزنيت نحو سنة 1991 نشرها أحد المستشرقين بمدينة ليدن بهولندا.
وأمر آخر تجلى لي في هذه الندوة المباركة - التي صادفت يوم الجمعة المبارك- وهو قيمة التعاون، فقد تعاونت جهات كثيرة في التنظيم وتآزرت جهود المحسنين المسهمين بالمال، والعلماء والباحثين المشاركين بما عرفهم الله من علم وفكر، وأصحاب السلطة بما في أيديهم من سلطة الأمر والنهي والاستشارة والتطبيق، وخبراء التنظيم بما عرفوا من تدبير وتقدير، وكل الحاضرين بما فيهم من نية حسنة ومحبة للعلم والعلماء ورغبة في مجالس الخير، فكانت هذه الندوة مثل روضة غناء حافلة بأنواع الورود والأزاهير مختلفة الألوان والروائح العطرة الطيبة والثمار المختلفة، لا يخلو من دخلها من فائدة يجنيها، إما من طيب الرائحة أو جمال اللون، أو نافع الثمار أو لذيذ العسل، أو عذب المياه الصافية الرقراقة..
ولعل اكثر ما أثار الحاضرين وأشجاهم منظر الفتية الصغار من قرية أنيّ بإندوزال - غير بعيد عن مدرسة إكبيلن - وهم يترنمون بأصواتهم الطفولية البريئة - في ختام الجلسة الافتتاحية - بباب الطهارة من منظومة الحوض، ترنما نغميا مؤثرا مجسدا لما في هذه المنظومة العلمية من مضامين سديدة وما عرضت فيه من قالب إيقاعي مناسب وما ورد فيها من معان وعظية تخاطب القلب والوجدان معا وتؤثر في العقل والفؤاد لتهزهما هزا عنيفا تارة أو خفيفا حانيا تارة أخرى، لعل القلب يخشع والعقل يخنع لما أراد الله له من هداية وتوبة.وأمر آخر تجلى لي في هذه الندوة المباركة - التي صادفت يوم الجمعة المبارك- وهو قيمة التعاون، فقد تعاونت جهات كثيرة في التنظيم وتآزرت جهود المحسنين المسهمين بالمال، والعلماء والباحثين المشاركين بما عرفهم الله من علم وفكر، وأصحاب السلطة بما في أيديهم من سلطة الأمر والنهي والاستشارة والتطبيق، وخبراء التنظيم بما عرفوا من تدبير وتقدير، وكل الحاضرين بما فيهم من نية حسنة ومحبة للعلم والعلماء ورغبة في مجالس الخير، فكانت هذه الندوة مثل روضة غناء حافلة بأنواع الورود والأزاهير مختلفة الألوان والروائح العطرة الطيبة والثمار المختلفة، لا يخلو من دخلها من فائدة يجنيها، إما من طيب الرائحة أو جمال اللون، أو نافع الثمار أو لذيذ العسل، أو عذب المياه الصافية الرقراقة..
هذه مشاعر تحس ولا تشرح ولعل مشاهدة بعض صور الندوة والاستماع إلى ما ورد فيها من عروض وبحوث وإنشادات يقرب الصورة ويجعلها في متناول العين والفهم..وهذا ما نرجوه قريبا في موقع الندوة على الشبكة، وإلى لقاء قريب بحول الله والسلام عليكم.
هناك تعليق واحد:
elhazta10@hotmail.comأستاذي القدير المهدي السعيدي
كان حظي وافرا اليوم، حين وجدت مدونتك وأنا أبحر عبر الشبكة العنكبوتية لأتذكر تلك السنوات التي قضيتها طالبا بجامعة ابن زهر ،ومعها تذكرت تلك الجدّية التي كنت تتصف بها في تدريسنا وتأطيرنا.
لك مني كل التقدير والإحترام.
عبدالصمد الهزطة
إرسال تعليق