قبيل انطلاق الجلسة الختامية للندوة إعداد ومشاورات مع الأستاذ الحاتمي منسق فريق البحث
والأستاذ أحمد بومزكو المكلف بالشؤون الثقافية في المجلس البلدي لتزنيت ( تصوير: لحسن بايا)
عقدت منذ أيام ندوة تكريمية لأستاذنا الدكتور عباس الجراري، في موضوع :" الأدب بالجنوب المغربي في القرن 14 للهجرة" وقد شاركت في هذه الندوة بالتنظيم لانتمائي إلى فريق البحث في التراث السوسي التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير المشارك في تنظيم الندوة، وببحث علمي لأنني من تلاميذ المحتفى به، درست عليه منذ 21 سنة بالدراسات العليا في تخصص الأدب المغربي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط وبالضبط سنتي 1988 و1989 يوم كان يدرسنا بمعية أستاذي الفاضل المرحوم الدكتور علال الغازي والأستاذ الدكتور أحمد الطريسي أعراب المعار إلى إحدى جامعات الخليج العربي الآن.
كانت فكرة التكريم قائمة في أذهاننا منذ احتفى به طلبته سنة 1997 بمناسبة بلوغه سن الستين ثم حينما تم تكريمه بكلية الرباط عند تقاعده سنة 2002، وقد حضرت تلك الندوة، وكان المرحوم عبد الله درقاوي رحمه الله، وهو أستاذ بمركز تكوين المفتشين بالرباط، واحد تلاميذه الأوائل بمدينة فاس، حاضرا فصار يحثني على تنظيم تكريم للأستاذ لدوره في خدمة أدب منطقتنا سوس، وحدبه ورعايته ومحبته للسوسيين،حتى تخرج عليه منهم طائفة كبيرة ولكون أصله من هذه المنطقة، وبالضبط قبيلة أولاد جرار. فوعدته خيرا، وأن أستشير زملائي الأساتذة في ذلك الأمر لنعد العدة المناسبة..مرت أيام وأيام وتوفي الأستاذ عبد الله درقاوي رحمه الله إثر وعكة صحية، ثم إذا بالسنة قد مرت على الاحتفال السابق ودعيت للمشاركة في ندوة علمية نظمها النادي الجراري حول الرحلات الداخلية، فجئت الرباط وقد حدثت زملائي عن اقتراح التكريم فتحمسوا له، ولقيت الأستاذ الجراري فذكرت له ذلك فرحب واستجاب واشترط أن يكون من فقرات التكريم زيارة منطقة أولاد جرار..
رجعت إلى مدينة أكادير بالقبول والشرط، وصرنا نعد العدة ونقترح المواعيد وفي كل مرة يطرؤ طاريء يمنعنا من الوفاء بالوعد .. وعدنا الأستاذ ثلاث مرات لم نستطع الوفاء إلا في الثالثة، وكان ذلك كله خيرا وخيرا كثيرا، فقد إلتأمت الندوة أخير يوم 22 جمادى الأولى 1431 موافق 7 ماي 2010، وتقاطر المدعوون على مدينة تزنيت، بعد أن تحمس المجلس البلدي للمدينة لاحتضان الندوة وانضاف إليه المجلس الجماعي لأولاد جرار، ثم جاء الأستاذ ليحل على الجميع ضيفا كريما بين أهله وأقاربه وبني عمومته..
ومرت الندوة وكانت ناجحة بكل المقاييس، فمن الناحية العلمية عالجت موضوعا مهما وهو دراسة التحولات التي لحقت الأدب في الجنوب المغربي بأنواعه واجناسه وتنوعه اللغوي ( عربيا فصيحا وملحونا وامازيغيا وحسانيا) قبل الاستعمار وأثاءه وبعده، وقد تصدى لذلك طائفة من المتخصصين في دراسة أدب الجنوب بسوس ودرعة والصحراء، وكان غرضهم جميعا إبراز هذه التحولات واستشراف الآفاق المستقبلية لأدب مجتمع يصارع للحفاظ على قيمه وثوابته أمام المد الغربي الكاسح، وجعل الندوة وقفة علمية لتقييم هذا الأدب ومعرفة مساراته وتحولاته.
ومن الناحية الاجتماعية كانت زيارة منطقة أولاد جرار فرصة للدكتور الجراري ليجدد الصلة بأهله وذويه، وكان هؤلاء في المستوى فاستقبلوه بما يليق بمقامه العلمي، فهو أستاذ الأجيال وعميد الدراسات الأدبية المغربية في الجامعة، والمؤلف في الفكر والإصلاح والثقافة، ثم بمقامه السياسي فهو مستشار جلالة الملك وصاحب الحظوة والمقام الجليل في هرم السلطة المغربية، وذلك كله يشرف المنطقة ويفتح لأبنائها الآفاق لبلوغ منتهى الأمال برؤية أحد أبناء عمومتهم وقد ارتقى سلم المجد العلمي والجاه إلى أعلى مراتبه.
كانت فقرات الزيارة كثيرة لكن أبرز ما استوقفني مفاجأة أعدها أحد أعيان القبيلة الجرارية وهو السيد الحاج عبد الله مصدق للحاضرين ومنهم الدكتور عباس الجراري، حينما حرر وثيقة بتمليكه حصة من سقي عين أولاد جرار الثرة، معبرا برمزية دالة على احتضان القبيلة الجرارية لابنها الزائر ورغبتها في ارتباطه الدائم بموطنه الأصلي.. وقد وقعت هذه المبادرة من الدكتور الجراري موقعا حسنا عبر عنه في كلمته بالمناسبة، وفي سروره بالندوة كلها وشكره للقائمين عليها، وقوله أنه لم ير في كل التكريمات التي نظمت له بمختلف مناطق المغرب، مثل هذه الحفاوة والعفوية والمحبة والصدق المتبادل، ولا غرابو في ذلك ما دام تكريمه هذه المدرة كان في بلده وبين أهله وذويه.
انتهت الندوة، وكنا نحن المنظمين في غاية السرور والسعادة لأنها بلغت الغاية وحققت جميع الأهداف، حققت الهدف العلمي بالمستوى الرفيع للأبحاث الملقاة، والهدف الثقافي بجمع الناس حول الاحتفاء بالتراث والأدب والفكر، والهدف الاجتماعي بتمتين الصلات والتعارف والتواصل.
أخيرا : قال لي أحد الفضوليين يوما ( وكان منعزلا عن الناس لا يشارك في اللقاءات إلا نادرا ودأبه الاشتغال بالتأليف): إن هذه الندوات التي تنظمونها خارج الحرم الجامعي قليلة الفائدة من الناحية العلمية. أجبته: إننا في فريق البحث في التراث السوسي لا نفرط أبدا في المستوى العلمي مهما كان، ولكننا نحرص مع ذلك على ربط الفكر والمعرفة بالمجتمع، فنخرج أنشطتنا العلمية إلى الناس ليعرفوها ويعتادوها وينتفعوا بها كل على قدر فهمه ووعيه، وإلا فما فائدة معرفة تتحصن وراء أسوار الجامعة ولو كانت في أعلى المستويات العلمية، ولا تخرج إلى الناس لتبصرهم بماضيهم وتكشف لهم حقائق حاضرهم، وتدفعهم إلى التفكير في مستقبلهم.. هذه هي المعرفة النافعة الحية، وإلا فما حاجتنا إلى المومياءات المحنطة..
مزيد من التفاصيل مع تقرير الندوة هنـــــــــــــــــا
مزيد من التفاصيل مع تقرير الندوة هنـــــــــــــــــا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق