بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 16 مايو 2013

انبعاث الجامع الكبير بتارودانت بحول الله.


محراب الجامع الكبير قبل الاحتراق الأخير
         أسبوع بعد المأساة.. بعد المصيبة، جاء الفرج وجاءت البشرى، أتت اليد الحانية المعطاء لتمسح عن الجفون ما وكف من دموعها، حزنا وكمدا على الجامع الكبير.. وعلى ما يعنيه الجامع الكبير من ذكر وعبادة وصلاة وقيام وتلاوة وتوبة وإنابة وإقبال على الله.. وما يدل عليه الجامع الكبير من ماض مجيد وحضارة تليدة وعلم أصيل وفكر ماجد..
            فالجامع الكبير رمز ارتباط المغاربة بدينهم، وشغفهم بمحبة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وكلفهم بكتاب الله تلاوة ومدارسة وتدبرا وتعلما، إنه رمز الوجدان والوجود، وعلامة الحياة والديمومة، فلا وجود للمغرب بعيدا عن الدين، ولا بقاء للوطن بلا إيمان..
            كان أخشى ما نخشاه أن يندثر همّ الجامع الكبير من النفوس، وأن يُنسى مع الأيام، ويصبح علامة على الإهمال، ويصبح منظر الخراب الذي خلفه الحريق مألوفا لدى الناس، ويتثاقل المكلفون بالإصلاح أو البناء في القيام بالواجب، وتطغى البيروقراطية على الموضوع كله، ولكن الله سلّم..

         سلّم الله الجامع الكبير من دوام الخراب بفضل المبادرة الملكية الميمونة التي أتت في إبّانها، لتمسح ما في النفوس من الأسى والحزن على ما وقع، ومن يرقّ لحال الجامع الكبير، ويسعى بحزم وإصرار لتعويضه عما لحقه من أضرار بليغة سوى الحضرة العلوية حضرة أمير المؤمنين.
           نعم لقد انبعث الأمل في نفوسنا، وشعرنا باسترداد ماضينا وذكرياته، وجامعنا وفضائله، وتاريخنا أعلامه ووقائعه، والحمد لله أن يومنا ابن أمسنا فلا قطيعة ولا انقطاع، فكما سارع الملك محمد الخامس رحمه الله إلى إصلاح الجامع الكبير عندما تداعت سقوفه وحيطانه، بعدما قام بزيارته وتفقد أحواله سنة 1364هـ، (أي قبل حوالي 70 سنة، انظر الملحق) فها هو حفيده الموفق بفضل الله يسير على نهجه الميمون، ويقتفي أثره المبارك، ويبادر إلى هذا الوجه الطيب من وجوه الخير والبر، ولو أن المصاب هذه المرة جلل والضـرر بليغ، والعمل المنتظر كبير، فالأمر يتعلق بإعادة هذه المعلمة الحضارية إلى ما كانت عليه، وما ذلك بعزيز على الهمّة العلوية الطّمّاحة الشمّاء المنيفة.


         وإن مما يثلج الصدر أن تكون الرعاية الملكية للمسجد شاملة لتحمل تكاليف الإصلاح والبناء في ظرف وجيز لا يزيد على السنتين، نسأل الله تعالى التوفيق والسداد والنجاح لهذا المشروع العظيم..
             وبعد فإن جلالة الملك قد قام بالواجب وأكثر.. في موضوع الجامع الكبير، وأراح نفوسنا مما كانت ترزح تحته من ألم ممضّ، ونحن واثقون أن الجامع الكبير سينهض من كبوته هذه، ونحن واثقون أن اليوم الذي سيعود فيه الجامع الكبير ليحتضن القائمين والساجدين، والتالين كتاب الله والذاكرين، والمعلمين والمتعلمين، قريب  إن شاء الله- يومٌ تستقيم فيه -من جديد - جدرانه، وترتفع سقوفه، وتتدلى ثرياته ومصابيحه، وتشمخ فيه صومعته، وتزدهي سواريه وأعمدته، وتتزين أرضيته وصحنه، وتترقرق مياه الحياة من نافورته، ويرتفع فيه النداء إلى رب البرية الغفور الودود الله أكبر الله أكبر..
      سيأتي بحمد الله هذا اليوم المنتظر قريبا بحول الله.. فماذا أعددنا له؟؟ هل كان الجامع الكبير سقوفا وحيطانا؟؟ أم كان أكثر من ذلك؟؟
        إن الجامع الكبير مؤسسة اجتماعية وعلمية وفكرية وتاريخية وثقافية، أفلا يستحق أن يخطط لوظائفه كما سيخطط لبنائه وإصلاحه؟؟ أفلا تكون هذه الفرصة السانحة المتاحة بالهمّة الملكية القعساء، مناسبة للتأمل في جملة أمور، حتى يكون الإصلاح شاملا ونافعا مثمرا. فالتصدي لإصلاح أو ترميم أو إعادة بناء الجامع الكبير تحد كبير، ليس من جهة إعادته إلى ما كان عليه، ولكن من جهة المواءمة في إصلاحه بين الحفاظ على ما كان أوإعادته بنفسه أو قريبا منه، تصميما وبناء وزخرفة، وبين تجديد وظيفته بإتقان بنائه وفق الضوابط الفقهية والضـرورات الوقتية، واسترجاع مكوناته المندثرة، والعمل على تثمينه ليصبح درة المدينة الثمينة، وجوهرتها الغالية، من خلال توسيع ما حواليه، وإعادته إلى وظيفته باعتباره مؤسسة علمية ثقافية واجتماعية، وذلك من خلال جملة ملاحظات، هي:
-       قبلة الجامع الكبير شديدة الانحراف نحو الجنوب، منذ بنائه في عهد السعديين، وانحرافها يزيد عن المقدار المقبول، ولاشك أن بُناته الأوائل وموسعيه تركوا القبلة على ما كان عليه في عهد المرابطين فبقي منحرفا إلى الجنوب، ( وكان هذا مجالا لدراسات وأبحاث ومؤلفات منها كتاب القبلة لصالح بن أبي صالح) فلابد إذن من دراسة إمكانية تصحيح القبلة، خاصة أن هناك مساحة خالية متاحة أمام الجامع كانت قبل مقبرة فأزيلت في الإصلاح الذي تم في سنوات الثمانين.

-       كانت هناك مدرسة ملحقة بالجامع الكبير، وقد خربت منذ أزمان فلماذا لا يتم إحياء هذه المدرسة، تجديدا لما كان عليه في العهود الغابرة، وحرصا على إحياء التعليم العتيق وانتفاع المجتمع به.
-       كان هناك كتاّب ملحق بالجامع الكبير بجوار الصومعة ثم خرب في سنوات الخمسين أو بعدها بقليل، وإمام المسجد الآن يدرّس الصبية في غرفة غير مناسبة في المدخل المقابل لحي سيدي حساين، فلماذا لا يتم التفكير في تخصيص مكان للتحفيظ مناسب ومزود بكل ما يحتاج إليه من مقاعد وتجهيزات..
-       كانت هناك خزانة قديمة بالجامع الكبير مشهورة وقف عليها السلاطين السعديون والعلويون كتبا نادرة ومطبوعات ثمينة في أول عهد المغرب بالطباعة، وقد اندثرت المكتبة وتشتت كتبها بين الخزانات العامة والخاصة، فهل يمكن إعادة إحيائها  لتكون منارة للعلم والمعرفة بالمدينة، وهل يمكن تخصيص مكان لها في جنبات الجامع.
-       كان الجامع الكبير مجالا للتعليم والدرس والمحاضرة، وكان يؤمه كبار العلماء الأعلام من سائر أنحاء المغرب بل من البلاد الإسلامية شرقا وجنوبا، فهل يمكن أن تجدد به هذه الدروس، ويلتفت سكان المدينة ممن يزعمون التعلق بالثقافة والفكر للإقبال عليها والانتفاع بها، ويتركوا الزهد في المعرفة بينما يعلنون بأفواههم محبة الجامع الكبير والتعلق بالجامع الكبير، أم أن الأمر متعلق بالجدران والسقوف والأبنية، وليس بما ستقوم به من وظائف ومهام.

        وأخيرا ها هو أمير المؤمنين جلالة الملك قد طمأن القلوب، وهدّأ الأفئدة بمبادرته الكريمة، فهل نكون في مستواها، ونجعل مبادرة إعادة بناء الجامع الكبير مناسبة للتفكير في واجبنا نحوه، وما الواجب نحو المسجد إلا عمارته بالصلاة والذكر والتلاوة والعلم والتعلم والاجتماع على الخير والتآلف على المحبة والوحدة الوطنية والتمسك بقيم الأمة وثوابتها، والابتعاد عن التفرق والتشـرذم والتضاغن..
           إن الاهتمام بالجامع الكبير ليس في التعبير عن الحزن والأسى أوالشكوى، فما وقع و قع، ومغاربة اليوم لهم من الدراية والمهارة ما يمكنهم من إعادة بناء ما تركه الأجداد- بل بأفضل مما كان- إن صحّت منهم العزيمة والنية وسلامة القصد، والبناء آت بحول الله، وسيعود الجامع أفضل مما كان، وإنما الاهتمام متحقق بتثمين هذا الصـرح الحضاري العظيم، واستغلاله في بعث تراثنا العريق وتمتين الارتباط بماضينا المشرق بما فيه من عزة ووحدة وتلاؤم ووئام، فيعود الجامع الكبير سامق البناء، مرتفع القباب، تصدح في جنباته أصوات المكبرين  الركع السجود، والتالين لكتاب الله، وتملأ رحابه بالظامئين إلى المعرفة المسارعين، إلى النهل من معينها الثرار، وتتردد في نواحيه دعوات الحامدين لله رب العالمين، الشاكرين نعمه الكثيرة وآلاءه العميمة، لهذا البلد الكريم ماضيا وحاضرا ومستقبلا بفضل الجبار العلي الكبير، وولي أمره الساهر على أمنه وأمانه الموفق إن- شاء الله دائما- بجميل أنعم ربه، وما الموفق إلا من وفقه الله.
ملحق:
فيديو للجامع الكبير بتارودانت بعد تجديده سنة 1953.
صور حفل افتتاح الجامع الكبير بعد إصلاحه في عهد الاستعمار.

هكذا أدركنا الصحن بأشجاره ونافورته وقد غير في الاصلاح الأخير سنة 2005
قام الملك محمد الخامس رحمه الله بتفقد الجامع الكبير بتارودانت سنة 1944م وأصدر أوامره الكريمة بترميمه، وقد صادف الانتهاء من الترميم الأزمة الوطنية أيام الفداء سنة 1954م وقد قام الفرنسيون بتدشين الجامع الكبير في هذه الفترة في غياب الملك المجاهد رحمه الله في منفاه، وترأس الحفل وزير الأوقاف في عهد بنعرفة الفقيه بوركبة المراكشي، وقد قاطع الرودانيون حفل التدشين ولم يحضره إلا قلة من الأعيان كما يظهر في الصورتين اللتين زودني بهما مشكورا الأستاذ الفاضل الكريم علي زكي المجاطي جزاه الله خيرا كثيرا.
من هم الموجودن في الصورة مع الفقيه بوركبة؟؟؟

ملاحظة: الصورالحديثة  الممتازة للجامع الكبير من موقع:
vacanceo.com


ليست هناك تعليقات: