بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

الخط المغربي، أصالة التراث وضرورات التجديد.


مصحف شريف بالخط المغربي من القرن العاشر الهجري
يعد الخط العربي من أكثر مظاهر الفن الإسلامي روعة وبهاء، وأخصبها تنوعا وجمالا، ومن أروع الخطوط العربية الخط المغربي بتفرده وروعته واتساقه ودلالته العميقة على الشخصية الحضارية للمغرب الأقصى ضمن بلاد الإسلام قاطبة..وقد نبغ في المغرب خطاطون كثيرون جودوا الكتابة وتأنقوا في التزويق والزخرفة، ذكر العلامة المرحوم محمد بن عبد الهادي المنوني طائفة كبيرة منهم في كتابه القيم الفريد تاريخ الوراقة المغربية. واحتلت كتاباتهم مكانها اللائق في الأسفار والمراسلات الإدارية وفي المعمار بالمساجد والدور والقصور.
ولست هنا بصدد الحديث عن تاريخ الخط المغربي ولا ذكر أنواعه واختلافاته،ومن أراد ذلك فلينظر مدونة أستاذنا الدكتور محمد المغراوي الأستاذ بجامعة محمد الخامس ورئيس تحرير مجلة دعوة الحق، وإنما القصد إلى الإشارة لأهمية العناية بهذاالخط وتطويره، ونشير هنا إلى إحداث جائزة محمد السادس للخط المغربي وهي مبادرة هامة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، نرجو أن تتسع لتشمل تقعيد هذا الخط بقواعد علمية مضبوطة، وتعمل على إحداث مدارس للخط المغربي في الجهات المغربية الكثيرة تكون الشباب على إتقان الكتابة به وتشجعهم على التجويد والمشاركة في المسابقات الوطنية والدولية، وتعمل على سن قوانين لتشجيع استعماله في المكاتبات الرسمية بالدوائر الإدارية وفي الإشهارات العمومية..وغير ذلك

الخط المغربي في مجال المعمار أصالة وتميز( مدرسة العطارين بفاس) المصدر.

ولا ننسى مجالا آخر تأخر فيه المغاربة كثيرا وهو مجال الخطوط الرقمية، فقد انتبه إخواننا المشارقة منذ سنوات إلى تطوير الخطوط العربية الرقمية لاستخدامها في الحاسوب، ونشأت شركات متخصصة في ذلك، أما عندنا في المغرب فليست هناك بعد أي محاولة لرقمنة الخطوط، وإنما نحن عالة على المشارقة، وأول خط مغربي رقمي ظهر منذ سنوات خط نبع العرب (Arabswell) بنمطيه العادي والغليظ، ( وبتنويعاته التي ظهرت بعده) وتم استخدامهما بكثرة في المغرب، غير أن هذا الخط تنقصه الجودة وفي بعض حروفه تمدد غير جميل، إلا أن تفرده في المجال الرقمي جعل الإقبال عليه متزايدا، على أمل ظهور خط رقمي جديد يقارب أو يوازي جمالية الخطوط المغربية كما رأيناها واستمتعنا بروعتها من يراع الخطاط المغربي محمد المعلمين صاحب الكراسة التعليمية المفيدة، والخطاط محمد قرماد..

جمالية الخط المغربي في المصاحف تطبيق لمبدأ الإحسان في العمل
وقد سبق لي أن تذاكرت مع أحد الخطاطين عن استعمال الحاسوب، فكان موقفه متطرفا من ذلك زاعما أن الحاسوب لا يمكن أن يقوم بما يقوم به الخطاط، وأن الخطوط المستعملة فيه تفتقد الانسيابية والجمالية التي توجد في الخط اليدوي، إلا أنه -وإن كان اهذا لأمر صحيحا - فلا ينبغي أن نعتبر خطوط الحاسوب منافسة للخطاطين، ولا ينبغي أن نغفل هذاالمجال، لأن التاريخ لن يعود إلى الوراء، والناس على أي حال سيستعملون ما يجدون من خطوط جيدة كانت أم رديئة.
وفي الوقت الذي مازلنا فيه نتناقش حول ادخال الخط المغربي إلى الحاسوب، ها هم إخواننا المشارقة يعملون بجد وينوبون عنا في هذا المجال فيصممون الخطوط ويقوم ببرمجتها ثم توظيفها، وها هم يقترحون علينا انتاجاتهم، ومن آخرها خط مسعد المغربي الذي صممه مسعد الحسيني المشرف على منتدى أهل الأثر.
وقد قمت بتنزيل هذا الخط وتجربته فبدا لي جميلا وهو أفضل من خط نبع العرب السابق بكثير، فشكرا لصاحب هذاالخط وبارك الله، نشكره لأنه اهتم بالخط المغربي ثم لأنه مكننا من استخدام الخط مجانا بأن وضعه في منتداه وجعل تنزيله متاحا لكل من أراد من أعضاء ذلك المنتدى..



نموذج لخط مسعد المغربي
(العبارة من مقال جماليات الخط المغربي: تاريخ وفن
على هذا الرابط)

هذا وقد سمعنا مؤخرا أن الخطاط محمد قرماد قام بتصميم خطوط جديدة بالحاسوب للخط المغربي ولكن لم نتمل بعد بنماذج منها، وقد ذكر في الحوار الذي أجري معه بموقع الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، أن الذي دفعه إلى ذلك: " الدفع بعجلة الخط المغربي إلى الأمام، وجعله يتماشى مع زمن العولمة والتكنولوجيا، ومواكبة آليات الطبع الحديثة بمختلف أنواعها، والتعريف بهذا الخط وجعله يقاوم كل هذه التيارات التي تهب عليه من كل جانب. والآثار الإيجابية لهذا الإجراء هي الاجتهاد في وضع قوالب خطية وأنماط وأنواع تشكيلية، تتماشى واللوحة الخطية والتشكيل العربي والمغربي، وجعل الناس يستأنسون بحروفنا وبأبجديتنا المغربية؛ وهي طريقة جديدة تغني خزانتنا وتسهل طريق أمام الباحثين والمتعطشين إلى رؤية هذا الحرف البديع في حلة جديدة ومتناسقة."
ولا شك أن هذه الخطوة مهمة للغاية وتستحق كل تشجيع وتنويه لاسيما أن القائم بها صاحب خبرة وتجربة في الميدان إضافة إلى غيرته وحماسه لخدمة الخط المغربي وتطويره.. فعلى الجهات المعنية الأخذ بيده وتمكينه من وسائل الإبداع مع حفظ حقوقه المعنوية والمادية المرتبطة بإنتاجه هذا."
فحيا الله جهود الغير وقوّاها وبارك فيها، وسددها للخير، والمستقبل بحمد الله مشرق وفي المغرب خبرات مقتدرة وهمم طماحة للمعالي وإنما ينقصها التشجيع ولو بالكلمة.. ونحن نأمل أن يتم تطوير الخط المغربي وتظهر خطوط معبرة عن السمات الجهوية المغربية فنرى الخط الفاسي والطنجي والمراكشي والسوسي والصحراوي والدرعي، وما من شك في أن بعض بوادر هذه التنويعات موجودة في المخطوطات الكثيرو المبثوتة في كل قرية أو مدينة من مدن المغرب، ولا تنتظر سوى اجتهاد الباحثين وجد الخطاطين لتبرز غنى التراث المغربي في مجال الخطوط وأصالته وتميزه.






هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

الخط المغربي روعة قل نظيرها، شكرا لك أخي على هذا المقال القيم.